{ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } نزلت في أبي جهل ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد الله بن معاذ ومحمد بن عبد الأعلى القيسى ، قالا : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، حدثني نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : " قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ، ولأعفرن وجهه في التراب ، قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، عزم ليطأ على رقبته ، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه ، قال : فقيل له : ما لك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار ، وهولاً وأجنحةً . فقال رسول الله صلى عليه وسلم : لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضواً عضواً ، قال : فأنزل الله -لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه- : { كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى * أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى } الآيات . ومعنى { أرأيت } ها هنا تعجيب للمخاطب .
ثم عجَّب - سبحانه - نبيه صلى الله عليه وسلم من حال هذا الشقي وأمثاله ، فقال : { أَرَأَيْتَ الذي ينهى . عَبْداً إِذَا صلى } . فالاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَرَأَيْتَ . . . } للتعجيب من جهالة هذا الطاغى ، وانطماس بصيرته ، حيث نهى عن الخير ، وأمر بالشر ، والمراد بالعبد : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنكيره للتفخيم والتعظيم .
أى : أرأيت وعلمت - أيها الرسول الكريم - حالا أعجب وأشنع من حال هذا الطاغى الأحمق ، الذى ينهاك عن إقامة العبادة لربك الذى خلقك وخلقه .
ثم قال تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى } نزلت في أبي جهل ، لعنه الله ، توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت ، فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا فقال : { أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى } أي : فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ، أو { أَمَرَ بِالتَّقْوَى } بقوله ، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ؛ ولهذا قال : { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } أي : أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه ، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَىَ * عَبْداً إِذَا صَلّىَ } .
ذُكر أن هذه الاَية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام ، وذلك أنه قال فيما بلغنا : لئن رأيت محمدا يصلي ، لأطأنّ رقبته ، وكان فيما ذُكر قد نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي ، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أرأيت يا محمد أبا جهل الذي يَنْهاك أن تصليَ عند المَقام ، وهو مُعرض عن الحقّ ، مكذّب به ، يُعجّب جلّ ثناؤه نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل ، وجراءته على ربه ، في نهيه محمدا عن الصلاة لربه ، وهو مع أياديه عنده مكذّب به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى } قال : أبو جهل ، يَنْهَى محمدا صلى الله عليه وسلم إذا صلى .
حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { أرأيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى } نزلت في عدوّ الله أبي جهل ، وذلك لأنه قال : لئن رأيت محمدا يصلّي لأطأنْ على عنقه ، فأنزل الله ما تسمعون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قول الله : { أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى } قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم يصلّي ، لأطأنّ على عنقه ، قال : وكان يقال : «لكل أمة فرعون ، وفرعون هذه الأمة أبو جهل » .
حدثنا إسحاق بن شاهين الواسطيّ ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي ، فجاءه أبو جهل ، فنهاه أن يُصَلّيَ ، فأنزل الله : { أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى } . . . إلى قوله : { كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ } .
وقوله تعالى : { أرأيت } توقيف ، وهو فعل لا يتعدى إلى مفعولين على حد الرؤية من العلم بل يقتصر به ، وقوله تعالى : { ألم يعلم بأن الله يرى } إكمال للتوبيخ والوعيد بحسب التوقيفات الثلاث يصلح مع كل واحد منهما ، فجاء بها في نسق ، ثم جاء بالوعيد الكافي لجميعها اختصاراً واقتضاباً ، ومع كل تقرير من الثلاثة تكملة مقدرة تتسع العبارات فيها ، وقوله : { ألم يعلم } دال عليها مغن .
وعدل عن التعبير عنه بضمير الخطاب لأن التعجيب من نفس النهي عن الصلاة بقطع النظر عن خصوصية المصلّي . فشموله لنهيه عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أوقع ، وصيغة المضارع في قوله : { ينهى } لاستحضار الحالة العجيبة وإلا فإن نهيه قد مضى .
والمنهي عنه محذوف يغني عنه تعليق الظرف بفعل { ينهى } أي نهاه عن صلاته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.