اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰٓ} (10)

قوله : { أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى }

تقدم الكلام على { أَرَأَيْتَ الذي ينهى } . وقال الزمخشري{[60544]} هنا : فإن قلت : ما متعلق «أرأيت » ؟ قلت : «الَّذي يَنْهَى » مع الجملة الشرطية ، وهما في موضع المفعولين ، فإن قلت : فأين جواب الشرط ؟ قلتُ : هو محذوف ، تقديره : «إنْ كَانَ عَلَى الهُدى ، أو أمَرَ بالتَّقْوَى ، ألَمْ يَعْلمْ بأنَّ اللهَ يَرَى » ، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني . فإن قلت : كيف يصح أن يكون «أَلَمْ يَعْلَمْ » جواباً للشرط ؟ . قلت : كما صح في قولك : إن أكرمتك أتكرمني ، وإن أحسن إليك زيد هل تحسنُ إليه ؟ . فإن قلت : فما { أرأيت الثانية } ، وتوسطها بين مفعول «أرأيت » ؟ قلت : هي زائدة مكررة للتأكيد .

قال شهاب الدين{[60545]} : اعلم أن «أرَأيْتَ » لا يكون مفعولها الثاني إلا جملة استفهامية كقوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله } [ الأنعام : 47 ] ، ومثله كثير ، وهنا «أرَأيْتَ » ثلاث مرات ، وقد صرح بعد الثالثة منها بجملة استفهامية ، فيكون في موضع المفعول الثاني لها ، ومفعولها الأول محذوف ، وهو ضمير يعود على { الَّذي يَنْهَى عَبْداً } الواقع مفعولاً ل «أرَأيْتَ » الأولى ، ومفعول «أرأيت » الأولى الذي هو الثاني محذوف ، وهو جملة استفهامية كالجملة الواقعة بعد «أرأيت » الثالثة ، وأما «أرأيت » الثانية ، فلم يذكر لها مفعول ، لا أول ، ولا ثان ، حذف الأول لدلالة المفعول من «أرأيت » الثالث عليه ، فقد حذف الثاني من الأولى ، والأول من الثالثة ، والاثنان من الثانية ، وليس طلب كل من «أرأيت » للجملة الاسمية على سبيل التنازع ؛ لأنه يستدعي إضماراً . والجملة لا تضمر إنما تضمر المفردات ، وإنما ذلك من باب الحذف للدلالة ، وأما الكلام على الشرط مع «أرأيت » هذه ، فقد تقدم في «الأنعام » ، ويجوز الزمخشريُّ وقوع جواب الشرط استفهاماً بنفسه ، وهذا لا يجوزُ ، بل نصوا على وجوب ذكر الفاءِ في مثله ، وإن ورد شيء من ذلك فهو ضرورة .

قال القرطبيُّ{[60546]} : وقيل : كل واحد من «أرَأيْتَ » بدل من الأول ، و{ ألَمْ يَعْلَمْ بأنَّ اللهَ يَرَى } الخبر .

فصل في تفسير الآية

قال المفسرون : «الذي يَنْهَى » أبو جهل ، وقوله تعالى «عَبْداً » يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن أبا جهل قال : لئن رأيت محمداً لأطأنَّ على عنقه . ثم إنه لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة نكص على عقبيه ، فقالوا له : ما لك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار ، وهولاً شديداً .

قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : فأنزل الله هذه الآيات تعجُّباً منه{[60547]} .

وعن الحسن : أنه أمية بن خلف ، كان ينهى سلمان عن الصلاة .

وقيل : في الكلام حذف ، والمعنى : من هذا الناهي عن الصلاة من العقوبة .


[60544]:الكشاف (4/778).
[60545]:الدر المصون (6/546).
[60546]:الجامع لأحكام القرآن (20/84).
[60547]:ينظر تفسير القرطبي (20/83).