وبمناسبة ورود كلمة " صلى " لأول مرة نقول : إن الصلاة تعني في اللغة الدعاء والبركة ، وقد جاءت بهذين المعنيين في القرآن كما يفهم من آيات سورة الأحزاب : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } ، و{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( 56 ) } ، ومن آية سورة التوبة هذه : { وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ } ، وتعني كذلك الشكل الخاص الذي يتعبد المتعبد به لمعبود ، كما هي هذه السورة وغيرها ، والمعنيان متقاربان ، ولعلّ الأصل هو الأول ، ولاسيما والعبادة هي الاتجاه للمعبود ودعاؤه .
وإطلاق كلمة الصلاة على الشكل الخاص من العبادة مطلقاً ليس إسلامياً ، بل كان كذلك قبل البعثة كما تدل عليه آية الأنفال هذه : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية }{[2434]}( 35 ) ، حيث عبرت عما كان يؤديه المشركون من الطقوس الدينية عند الكعبة بكلمة الصلاة .
ومع أن الروايات تذكر{[2435]} أن شكل الصلاة الإسلامية المعروف هو الشكل الذي أدّى به النبي صلى الله عليه وسلم صلاته الأولى بتعليم المَلََك ، فإن ورود تعابير الركوع والسجود والقيام في القرآن وتكليف المشركين بالسجود تارة ، والركوع أخرى ، كما جاء في آية سورة البقرة هذه : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ( 125 } ، وفي آية سورة الحج هذه : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ( 26 ) } ، وفي آية سورة الفرقان هذه : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا( 60 ) } ، وفي آية سورة المرسلات هذه ، { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون( 48 ) } ، يلهم أن هذه الأشكال كانت معروفة قبل البعثة وممارسة ، كأشكال عبادة وصلاة ، وكمظهر خضوع لله أو للمعبودات .
ولقد روى ابن هشام خبر أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عزواً إلى ابن إسحاق : " حدثني بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو بأعلى مكة ، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي ، فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل عليه السلام ورسول الله ينظر إليه ليريه كيف الطهور إلى الصلاة ، ثم توضأ رسول الله كما رأى جبريل توضأ . ثم قام به جبريل فصلى به ، فصلى رسول الله بصلاته ثم انصرف جبريل ، فجاء رسول الله خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل ، فتوضأت كما توضأ لها رسول الله ، ثم صلى بها كما صلى به جبريل " . وقال كذلك عزواً إلى ابن اسحق : " وحدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير وكان كثير الرواية عن ابن عباس قال : لما افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام ، فصلى به الظهر حين مالت الشمس ، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله ، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس ، ثم صلى به العشاء الأخيرة حين ذهب الشفق . ثم صلى به الصبح حين طلع الفجر . ثم جاءه فصلى به الظهر من غد حين كان ظله مثله ، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله ، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس لوقتها بالأمس ، ثم صلى به العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل الأول ، ثم صلى به الصبح مسفراً غير مشرق ، ثم قال : يا محمد ، الصلاة فيما بين صلاتك اليوم وصلاتك بالأمس " {[2436]} .
ولقد روى الترمذي وصاحباه حديثاً عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه معظم ما في هذا الحديث ، وهذا نصه : " أمّني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين ، فصلّى الظهر في الأولى منهما حينما كان الفيء مثل الشِّراك ، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثله ، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطرَ الصائمُ ، ثم صلّى العشاءَ حينَ غابَ الشفقُ ، ثم صلى الفجر حين برقَ الفجرُ وحَرُمَ الطعامُ على الصائم . وصلّى المرة الثانية الظهرَ حين كان ظلُّ كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس ، ثم صلّى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه ، ثم صلى المغرب لوقته الأول ، ثم صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض ، ثم التفت إلي جبريل فقال : يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقتُ فيما بين هذين الوقتين " {[2437]} .
ولقد روى الخمسة إلاّ الترمذي عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نزل جبريل فأمَّني فصلّيت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، يحسُبُ بأصابعه خمسَ صلوات . زادَ في رواية : ثم قال : بهذا أمرتُ " {[2438]} .
وليس في هذه الأحاديث تعيين لوقت هذا التعليم والإمامة ، ولكن ورود الإشارة إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة التي هي من أبكر ما نزل من القرآن قد يدل على أن ذلك كان عقب نزول أول وحي على النبي صلى الله عليه وسلم . وقد يؤيد هذا ما جاء في حديث ابن إسحاق الأول من مجيء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى بيته ، وتعليمه ما علمه إياه الملك لخديجة رضي الله عنها التي كانت أول من آمن به ، والتي لم يكن بعد على ما هو محتمل مؤمناً به غيرها . وقد يؤيد ذلك أيضا أن الإشارة إلى الصلاة والدعوة إليها وخبر ممارستها قد ذكرت في سور أخرى مبكرة جداً في النزول مثل سور المزمل والمدثر والأعلى والشرح والكوثر . هذا في حين أن البخاري ومسلم والنسائي والترمذي يروون حديثاً عن أنس جاء فيه : " فُرضَت على النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسريَ به الصلاة خمسين ، ثم نُقصَتْ حتى جُعلَتْ خمساً ، ثم نودي : يا محمد إنه لا يبدّل القولُ لديَّ ، وإنّ لك بهذه الخمس خَمسينَ " {[2439]} .
والإسراء ذكر في سورة الإسراء بأسلوب قد يلهم أنه ذكر عقب وقوعه ، وسورة الإسراء ليست من السور المبكرة في النزول ، بل يخمن أنها نزلت في أواخر الثلث الأول من العهد المكي ، وهناك روايات تذكر أن الإسراء وقع في مثل هذا الظرف .
ولقد روى الترمذي ومسلم حديثاً عن عبد الله في سياق تفسير بعض الآيات الأولى من سورة النجم التي تروي بعض الأحاديث أنها في صدد مشاهد الإسراء والمعراج ، جاء فيه : " إنه لما بلغ رسول الله سدرةَ المنتهى قال : انتهى إليها ما يعرج من الأرض وما ينزل من فوق ، فأعطاه الله عندها ثلاثا لم يعطهن نبيا قبله : فرضت عليه الصلاة خمساً ، وأعطي خواتيمَ سورة البقرة ، وغُفرَ لأمته المُقْحَمات ما لم يشركوا بالله شيئا " {[2440]} .
وسورة النجم نزلت كذلك بعد عدة سور ذكرت فيها الصلاة ، مثل المزمل والمدثر والأعلى والشرح والكوثر والماعون .
وعلى هذا فإن الصلاة إما أن تكون غير مفروضة فرضاً مستقراً ، وكانت تؤدى كمظهر من مظاهر العبادة لله تعالى وحسب قبل نزول سورتي النجم والإسراء ، أو قبل سورة النجم –لأن هناك احتمالاً أن يكون الإسراء وقع قبل نزول سورة الإسراء بمدة ما ، وأن يكون ذكره في سورة الإسراء من قبيل التذكير به- إذا صح حديثا أنس وعبد الله رضي الله عنهما . وإما أن يتوقف في هذين الحديثين استئناسا بالآيات وبحديث ابن اسحق الأول . ويقال : إنها كانت تمارس كفرض محدود الأوقات في عهد مبكر من البعثة النبوية وقبل الإسراء النبوي ، والله تعالى أعلم .
وليس في القرآن مما يتصل بشؤون الصلاة لها إلا إشارات في صدد الوضوء والاغتسال من الجنابة والتيمم بدلاً منهما ، واستقبال القبلة ، والأذان ، وتطهير الثياب والبدن ، وقصر الصلاة ، وصلاة الخوف ، وصلاة الجمعة ، شاءت حكمة التنزيل أن تشير إليها مناسبات حادثة في بعض السور . أما كيفيات الصلاة وأوقاتها وأركانها وركعاتها والدخول فيها والخروج منها ، وما يقرأ ويدعى ويسبح فيها ، والنوافل المؤكدة ، وما يفعل في السهو فيها ، والعجز عن بعض كيفياتها وأركانها ، وما يكره فيها . . . إلخ . فقد تكفلت ببيانها السنة النبوية القولية والفعلية - على اختلاف في أسانيدها ورتبها - حفلت بها وبشرحها كتب الحديث والفقه ، وتعددت المذاهب بسبب ما بها من اختلاف في النصوص مما لا يدخل تفصيله في منهاج التفسير ، وما صار متمماً لتشريعها القرآني وجزءاً منه ، وصار العمل بالثابت منه واجباً كما هو الشأن في كل ما سكت عنه القرآن ، أو جاء فيه غامضا ، أو مطلقاً ، أو غير مستوف لكل جانب في مسألة من المسائل ، عملاً بالمبدأ القرآني المنطوي في آية سورة النساء هذه : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } ، وآية سورة الحشر هذه : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } . وقد أوردنا من قبل بعض هذه الأحاديث ، ونورد فيما يلي طائفة منها وردت في الكتب الخمسة تحتوي صوراً وسنناً رئيسية مع التنبيه على أنها ليست كل ما ورد في هذه الكتب ، فضلا ًعن أن هناك أحاديث كثيرة من بابها وردت في كتب الأحاديث الأخرى : من ذلك ما رواه الخمسة عن أبي هريرة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي فردّ النبي عليه السلام ، فقال : ارجع فصلّ ، فإنك لم تصلّ ، فصلّى ، ثم جاء فسلّم على النبي ، فقال : ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ ، ثلاثاً . فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلّمني ، فقال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ، ثم اسجد حتى تطمئنَّ ساجداً ، ثم افعلْ ذلك في صلاتك كلّها " . وزاد أبو داود : " فإذا فعلت هذا فقد تمتْ صلاتُك ، وما انتقصت من هذا شيئا فإنما انتقصته من صلاتك " {[2441]} .
وروى الخمسة أيضا عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " {[2442]} .
وروى الخمسة إلاّ البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى صلا ة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج - ثلاثاً - غيرُ تمام . فقيل لأبي هريرة : إنما نكون وراء الإمام ، فقال : اقرأ بها في نفسك " .
وروى الخمسة عن عبد الله قال : " كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله : السلام على الله ، السلام على فلان ، فقال لنا رسول الله ذات يوم : إن الله هو السلام ، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات . السلام عليك أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته ، السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قالها أصابَتْ كلًّ عبد لله صالح في السماء والأرض . أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم يَتخيَّرُ من المسألة ما يشاء " .
وروى الخمسة عن كعب بن عجرة قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " .
وروى الخمسة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اعتدلوا في السّجود ، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب " .
وروى أبو داود والترمذي عن حذيفة : " أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم ، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى " .
وحديث رواه أصحاب السنن عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " .
وروى أصحاب السنن عن الحسن بن علي قال : " علّمني رسول الله كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولّني فيمن تولّيتَ ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شرّ ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليتَ ، ولا يعزّ من عاديت ، تباركتَ ربّنا وتعاليتَ " .
وروى الخمسة إلاّ مسلماً عن عمران بن حصين قال : " كانت بي بواسيرُ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال : صلّ قائما ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " .
وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أدرك ركعة ًمن الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " .
وروى الشيخان والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " .
وروى أبو داود والنسائي والحاكم وأحمد والترمذي عن سبرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مرُوا الصبيَّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " .
وروى الخمسة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك{ أقم الصلاة لذكري } " .
وروى مسلم حديثا جاء فيه : " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غَفلَ عنها فليصلها إذا ذكرها " .
وروى الترمذي والبيهقي والحاكم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من جمعَ بين الصلاتين من غير عُذر فقد أتى بَابا ًمن أبواب الكبائر " .
وروى الخمسة عن عبد الله قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبّرُ في كل خفض ورفع وقيام وقعود " .
وروى الخمسة عن ابن عمر قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير للصلاة ، فرفع يديه حين يكبّر حتى يجعلها حذو منكبيه ، وإذا كبر للركوع فعل مثله ، وإذا قال " سمع الله لمن حمدَه فعل مثله ، وقال : رّبنا ولك الحمد " . وفي رواية : " إذا قام من الركعتين رفعَ يديه ، ولا يفعل ذلك حين يسجدُ ، ولا حين ير فع رأسه من السجود " .
وروى مسلم وأبو داود حديثا جاء فيه . " كان النبي إذا كبر ورفع يديه ثم التحف بثوبه ثم أخذ شماله بيمينه " .
وروى الخمسة إلا البخاري عن علي قال : " كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة كبر ، ثم قال : وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونُسكي ومَحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين . اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا ، لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك ، والشرّ ليسَ إليك ، وأنا بك وإليك ، تباركتَ وتعاليتَ ، أستغفرك وأتوب إليك " .
وروى أصحاب السنن عن أبي سعيد قال : " كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة كبّر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدُّك ولا إله غيرك ، ثم يقول : الله أكبر كبيراً ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه " .
وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمّن الإمام فأمّنوا ، فإن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفرَ له ما تقدم من ذنبه " .
وروى الترمذي وأبو داود عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه : سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه ، وذلك أدناه . وإذا سجد فقال في سجوده : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات تمّ سجودُه وذلك أدناه " .
وروى أصحاب السنن عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصلاة مثنى مثنى ، تشهّد في كل ركعتين ، وتَخشّع وتَضّرع وتَمسكَنُ ، وتُقْنعُ يديك - يقول ترفعهما- إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول : يا ربّ يا ربّ ، ومن لم يفعل فهي خداج " .
وروى أبو داود والنسائي عن ابن أبي أوفى قال : جاء رجل إلى النبي فقال : إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا ، فعلّمني ما يجزئني منه ، فقال : قل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا الله العظيم . قال : يا رسول الله هذا لله فما لي ؟ قال : قل : اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني . فلمّا قام قال هكذا بيديه . فقال رسول الله : أما هذا فقد ملأ يديه من الخير " .
وروى البخاري والنسائي وأبو داود عن عائشة قالت : " سألتُ رسول الله عن الالتفات في الصلاة فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " .
وروى الخمسة إلا البخاري عن أم حبيبة قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة " ، وزاد الترمذي : " أربعاً قبل الظهر ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل صلاة الفجر " .
وروى الخمسة عن ابن عمر قال : " حفظت من رسول الله عشر ركعات : ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب في بيته ، وركعتين بعد العشاء في بيته ، وركعتين قبل صلاة الصبح " .
وروى أبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن خارجة بن حذافة قال : " خرج علينا رسول الله فقال : إن الله قد أيدكم بصلاة وهي خير لكم من حُمْر النَّعَم وهي الوتر ، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر " .
وروى الأربعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " .
وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتّى لا يدري كم صلى ، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس " .
وروى مسلم وأبو داود وأحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته ، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان " .
وروى الخمسة عن أبي هريرة قال : " صلّى لنا رسول الله صلاة العصر فسلم في ركعتين ، فقام ذو اليدين فقال : أقُصرَت الصلاة يا رسول الله أم نسيت ؟ فقال رسول الله : كل ذلك لم يكن ، فقال : كان بعض ذلك يا رسول الله ، فأقبل رسول الله على الناس فقال : أَصدقَ ذو اليدين ؟ فقالوا : نعمْ يا رسول الله ، فأتم رسول الله ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم " .
وروى الخمسة عن عبد الله : " أن رسول الله صلى الظهر خمساً فقيل له : أزيد في الصلاة ؟ فقال : وما ذلك ؟ قال : صلَّيتَ خمسا ، فسجد سجدتين بعد ما سلّمَ " . وفي رواية قال : " أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون ، وأنسى كما تَنسَون . ثم سجدَ سجدتي السّهو " .
وروى الخمسة إلا الترمذي عن أبي قتادة قال : " رأيت رسول الله يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص - وهي ابنة زينب بنت رسول الله - على عاتقه ، فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع من السجود أعادها " .
وروى أ صحاب السنن عن عائشة قالت : " جئت ورسول الله يصلي في البيت ، والبابُ مغلق ، فمشى حتى فتحَ لي ، ثمّ رجع إلى مكانه ، ووصفت الباب في القبلة " .
وروى الخمسة إلا الترمذي عن عائشة قالت : " لقد رأيتني ورسول الله يصلي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة ، فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فقبضتهما " .
وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن سهل بن سعد عن النبي قال : " من نابه شيء في صلاته فليسبّح ، فإنه إذا سبّح التُفتَ إليه " .
وروى البخاري ومسلم عن عائشة : " أن رسول الله كان يصلي الصبح بغَلَس ، فينصرف نساء المؤمنين لا يُعرفن من الغَلَس " .
وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " . وروى الخمسة إلاّ أبا داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة " .
وروى أصحاب السنن و أحمد عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ، وما كثرَ فهو أحبُّ إلى الله عزّ وجلّ " . وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن نافع عن ابن عمر " أن رسول الله كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد : ومطر يقول ألا صلوا في الرّحال " . وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سمع المنادي فلم يَمنعْه ُمن اتّباعه عذر لم تقبلْ منه الصلاة التي صلّى . قالوا وما العذر ؟ قال : خوف أو مرض " .
وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن مالك بن الحويرث قال : " قال لنا رسول الله : إذا حضرت الصلاة فأذّنا ثم أقيما ، وليؤمّكما أكبركما " ، ولأبي داود : " ليؤذّن لكم خياركم وليؤمَّكم قراؤكم " .
وروى الخمسة إلاّ البخاري عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السّنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ، ولا ُيؤَمَّن الرجلُ الرجلَ في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلاّ بإذنه " .
وروى أصحاب السنن عن مالك في الحديث قال : " سمعت رسول الله يقول : من زار قوما فلا يَؤمُّهم ، وليؤمُّهم رجلٌ منهم " . وروى الخمسة عن أبي مسعود أن النبي قال : " إن منكم منفرين ، فأيكم صلى بالناس فليتجوز ، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء " .
وروى أبو داود والحاكم وابن خزيمة - وصححه - عن عبد الرحمن بن خلاد : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أم ورقة في بيتها ، فاستأذنته في مؤذن فجعل لها مؤذنا ، وأمرها أن تؤم أهل دارها " .
وروى البخاري وأبو داود عن ابن عمر قال : " لما قدم المهاجرون الأولون العصبة - موضعا بقباء - قبل قدوم النبي كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة ، وكان أكثرهم قرآنا " .
وروى أبو داود وأحمد عن أنس : " أن النبي استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى " .
وروى أبو داود والدارقطني حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه : " الصلاة المكتوبة واجبة خلف كلا مسلم برا كان أو فاجرا ، وإن عمل الكبائر " .
وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد . وإذا صلى قائما فصلوا قياما ، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين " .
وروى الطبراني عن أبي بكرة أنه ركع دون الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " زادك الله حرصا ولا تعد ، صل ما أدركت ، واقض ما سبقك " {[2443]} .
وروى الطبراني عن ابن مسعود في الذي يفوته بعض الصلاة مع الإمام قال : " يجعل ما لا يدرك مع الإمام آخر صلاته " {[2444]} .
وروى أبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة " .
وروى الترمذي عن ابن عمر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ، ومعاطن الإبل ، وفوق ظهر بيت الله الحرام " .
وروى النسائي وأحمد وابن ماجه عن عمر قال : " صلاة الأضحى ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة السفر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تماما ليس بقصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم " .
وروى أبو داود وأحمد والترمذي عن عائشة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى : في الأولى سبع تكبيرات ، وفي الثانية خمسا " ، ولفظ الترمذي : " كان النبي يكبر في العيدين : في الأولى سبعا قبل القراءة ، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة " .
وروى الخمسة إلا الترمذي عن جابر قال : شهدت العيد مع رسول الله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير آذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ، ووعظ الناس وذكرهم " .
وروى النسائي عن أبي رمثه قال : " رأيت النبي يخطب وعليه بردان أخضران " .
وروى أصحاب السنن عن ابن عباس : " أن رسول الله خرج في الاستسقاء متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر فلم يخطب خطبكم هذه ، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع ، ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد " . وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوصاني خليلي بثلاث : بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام " .
وروى الخمسة إلا البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الحرام ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " .
وروى الترمذي وأحمد والحاكم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وهو قربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة للإثم " . وفي رواية " ومطردة للداء عن الجسد " .
وروى الخمسة عن ابن عمر : " أن رجلاً قال : يا رسول الله كيف صلاة الليل ؟ قال : مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوترْ بواحدة " .
وروى مسلم عن عائشة قالت : " لما بدَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقُلَ كان أكثر صلاته جالساً " .
وروى الخمسة عن جابر قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال وعاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به . قال : ويسمّي حاجته " .
وروى الخمسة عن زيد بن أرقم قال : " كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل صاحبه وهو على جنبه في الصلاة ، حتى نزلت : { وقوموا لله قانتين } ( البقرة : 238 ) فأمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام " .
وروى مسلم وأبو داود وأحمد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس . إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " .
وروى الخمسة إلا الترمذي عن ابن عمر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُركزُ له الحربة فيصلي إليها " .
وروى أبو داود وأحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ، فإن لم يجد فلينصب عصاً ، فإن لم يكن معه عصا فليخطُطْ خطا ، ثم لا يضره من مرَّ أمامه " . وروى الخمسة عن أبي جهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم المار بين يدي المصلّي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه - قال أبو النضر أحد رواة الحديث- لا أدري قال : أربعينَ يوما أو شهراً أو سنة " .
وهناك أحاديث كثيرة أخرى في طهارة الثياب والوضوء والغسل من الجنابة ونظافة البدن والمياه وستر العورة والقبلة وصلاة الخوف والسفر والجمعة والميت والأذان والإقامة والمساجد مما له صلة بالصلاة سنورد الرئيسي منها في سياق إشارات وردت إليها في سور أخرى .
هذا ، والصلاة في أصلها تمجيد وتسبيح وابتهال لله تعالى ، وأداء حقه من العبادة وطلب الرحمة والهدى منه . والصلاة الإسلامية من أكمل أشكال ذلك ، حيث توجب على المسلم أن يستعد لها بطهارة البدن والثوب ، ثم يدخل فيها متفرغاً لله وحده بعبارة الله أكبر التي تعني التحرر من الغير ، وتقرير الكبرياء والعزة والقوة لله وحده . ويكرر هذه العبارة عند كل حركة من حركات القيام والركوع والسجود والجلوس ، ويتلو في مفتتح كل ركعة سورة الفاتحة التي تقرر الحمد لله رب العالمين ، وتعلم إعلان الخضوع والعبادة له وحده ، وطلب الرحمة والهداية والعون منه وحده ، ويركع ويسجد في كل ركعة مسبحاً في ركوعه وسجوده باسم الله العظيم الأعلى .
ولقد أسبغ القرآن على الصلاة خطورة عظمى ، فجعلها من عناوين الإيمان والتقوى المتلازمة معهما كما جاء في آيات سورة البقرة هذه : { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ( 2 )الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ( 3 ) } ، ونّوه بالمؤمنين الذين يقيمونها باستمرار وخشوع كما جاء في آيات سورة المؤمنون هذه : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1 ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ( 2 ) } و{ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ( 9 ) } ، ووصفها بأنها كتاب ، أو فرض معين الأوقات يجب أداؤها فيها على أي حال ، وفي أي ظرف ، ولو في ظرف القتال والحرب ، كما جاء في آيات سورة النساء هذه : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ( 101 ) وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا( 102 ) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا( 103 ) } .
وجرياً على العادة القرآنية في بيان فوائد أوامر الله ونواهيه في الدنيا والآخرة معا نبه في أكثر من آية إلى ما تؤدي إليه الصلاة من نتائج عظيمة خلقية وروحية واجتماعية مثل ما جاء في آية سورة البقرة هذه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( 153 ) } ، وفي آية سورة العنكبوت هذه : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ( 45 ) } ، وفي آيات سورة المعارج هذه : { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا( 19 ) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ( 20 ) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ( 21 )إِلَّا الْمُصَلِّينَ( 22 ) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ( 23 ) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ( 24 ) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ( 25 ) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ( 26 ) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ( 27 ) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ( 28 ) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( 29 ) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ( 30 ) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ( 31 ) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( 32 ) وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ( 33 ) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ( 34 ) } . ولقد أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بمعالجة ما كان يلم به من أزمات الصلاة ، ومن ذلك ما جاء في الآية الأخيرة من سورة العلق التي نحن في صددها ، حيث أمرته بأن لا يأبه للطاغية المتصدي له ، وبأن يسجد لله ويتقرب إليه حيث يجد في ذلك أمنه وطمأنينته .
ومن ذلك ما جاء في سورة الشرح : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ( 1 ) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ( 2 ) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ( 3 ) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ( 4 ) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا( 5 ) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( 6 ) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ( 7 ) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ( 8 ) } ، ومن ذلك آيات سورة الحجر هذه : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ( 97 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ( 98 ) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ( 99 ) } ، ومن تحصيل الحاصل أن يقال : إن هذا موجه للمسلمين ، وقد خوطبوا بذلك فعلاً في آية سورة البقرة ( 153 ) التي أوردناها آنفا .
ولقد أثرت أحاديث نبوية كثيرة في فضل الصلاة وثوابها ، ورد كثير منها في كتب الأحاديث الصحيحة :
ولقد روى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن الصنابحيّ حديثا جاء فيه : " أشهد أني سمعت رسول الله يقول : خمس صلوات افترضهن الله عزّ وجلّ ، من أحسن وضوءهن وصلاتهن لوقتهن ، وأتمَّ ركوعهنّ وخشوعهن ، كان له على الله عهد أن يغفر له " {[2445]} .
وحديث رواه أبو داود عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله عزّ وجلّ : إني افترضت على أمتك خمس صلوات ، وعهدت عندي عهدا أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة ، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي ){[2446]}
وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي حديثا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أرأيتم لو أنّ نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من دَرنه شيء ؟ قالوا : لا ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنّ الخطايا " {[2447]}
وروى البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم - وهو أعلم بهم- : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون " {[2448]} .
وروى مسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفّارات لما بينهنَّ ما لم تُغش الكبائرُ " {[2449]} .
وروى مسلم حديثا عن عمرو بن سعيد جاء فيه : " كنت عند عثمان فدعا بطهور فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة ، وذلك الدهر كلّه " {[2450]} .
وبهذا يتسق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الشأن في كل أمر على ما سوف يأتي إيراده في مناسباته .
ومما لا ريب فيه أن الصلاة بإيمان وقلب وذكر وخشوع تجعل المصلي لا يفكر إلا في الله وعظمته ، فتتحرر نفسه من كل خوف و قلق ، ويشعر بالطمأنينة والقوة المعنوية ، فتهون لديه كل خطوب الدنيا ، ولا يعود يرى كبيراً إلا الله ، ولا قويا إلا الله ، ولا ضاراً ولا نافعاً إلا الله ، ثم تجعله يستحيي من التلبس بالنفاق والكذب إذا ما خالف بين باطنه وظاهره وقوله وعمله ، بينما هو يتهيأ من آن لآخر للوقوف بين يدي الله تعالى ، فينتهي كما ذكرت آية سورة العنكبوت عن الفحشاء والمنكر ، ويتطهر من الهلع والجزع ، ويتحلى بالصفات الكريمة الفاضلة كما ذكرت آية سورة المعارج حقاً وصدقاً .
وعلى هذا فيسوغ القول : إن الصلاة التي لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ، ولا تجعله يتحلى بفاضل الأخلاق ويعمل صالح الأعمال لا تكون صحيحة . وهذا ما عبرت عنه أحاديث عديدة مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم{[2451]}
منها : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له " .
ومنها : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزْدَدْ من الله إلا بعداً " .
ومنها : " لا صلاة لمن لم يطعِِ الصلاة ، وطاعة الصلاة أن تنهاهُ عن الفحشاء والمنكر " .
هذا ، وهناك أحاديث نبوية تسجل عظيم إثم تارك الصلاة ، حتى لتعتبره مرتداً وكافراً :
منها حديث رواه مسلم والنسائي والترمذي وأبو داود عن جابر قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " {[2452]} .
وحديث رواه الترمذي عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " .
وحديث رواه الترمذي عن عبد الله بن شقيق قال : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركُه كفر غير الصلاة " {[2453]} .
وننبه على أن مسألة كفر تارك الصلاة من المسائل الخلافية ، فهناك من الأئمة من أخذ بظاهر الأحاديث فاعتبر تارك الصلاة كافراً مرتداً يستتاب ، فإن لم يتب يقتل وفقا للتشريع النبوي الذي شرع قتله في حديث رواه الخمسة جاء فيه " لا يحلُّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والمفارق لدينه التارك للجماعة " {[2454]} . وهناك من تأول الأحاديث فذهب إلى أن الكفر والارتداد إنما يكونان بسبب جحود واجب الصلاة فقط ، ويكون تاركها كسلاً فاسقاً مرتكباً إحدى الكبائر ، ومهما يكن من أمر فالأحاديث تنطوي على تعظيم الصلاة وتفظيع إثم تاركها .
ولقد سألني سائل عن كيفية تعبّد النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء في اعتكافاته قبل بعثته التي جاء ذكرها في الحديث الذي أوردناه قبل ، وجواباً على السؤال قلنا : إن القيام والركوع والسجود كأشكال للعبادة كانت معروفة وممارسة على ما تلهمه بعض آيات القرآن وهو ما ذكرناه قبل . وفي آيات سورة الحج ( 25-26 ) وسورة البقرة ( 124-125 ) التي أوردناها قبل أمر إبراهيم بتطهير بيت الله للقائمين الركع السجود . ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة أنفوا أن يسيروا في طريق الشرك ودين الجاهلية ، وكانوا ينشدون ملة إبراهيم . ولقد روي عن زيد بن عمرو أحد هؤلاء أنه كان يسجد في فناء الكعبة ويهتف قائلا : " لبيك حقاً حقاً ، تعبداً ورقاً ، عذت بما عاذ به إبراهيم ، إنني لك عان راغم . مهما تجشمني فإني جاشم " {[2455]} . ولقد أمر الله نبيه بعد أن بعثه أن يقول : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 161 ) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 162 )لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ( 163 ) } [ الأنعام : 161-163 ] ، حيث يمكن القول على ضوء ذلك أن من الجائز أن يكون تعبّد النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء قائماً راكعاً ساجداً داعياً لله مسبحاً مقدساً ذلك غير أنه لا يمكن القول بجزم أنه كان يصلي بالصلاة الإسلامية المعروفة بحذافيرها ؛ لأن الآثار التي أوردناها تفيد أن هذه الصلاة كانت من تعليم جبريل بعد الوحي . والله تعالى أعلم .
ومن الجدير بالذكر أن الصلاة الإسلامية المفروضة والنافلة على السواء غير مقيدة بمكان ، وإمامتها غير منوطة بما يعرف في الملل الأخرى بطبقة الكهنوت ورجال الدين . فكل مكان طاهر ليس محلاً للمناظر الكريهة يصح أن يكون مكانا لصلاة المسلم . وكل مسلم مهما كانت مهنته وصفة لونه وجنسه يصح أن يؤمّ غيره إذا كان يحسن قراءة القرآن ويعرف سنن الصلاة ، ولقد روي في صدد هاتين المسألتين أحاديث في الكتب المعتبرة : ففي صدد المسألة الأولى روى أبو داود والترمذي والحاكم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الأرض كلّها مسجدٌ إلا الحمامَ والمقبرةَ " {[2456]} وروى الترمذي عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلّى في سبعة مواطن : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، وفي الحمام ، ومعاطن الإبل ، وفوق ظهر البيت الحرام " {[2457]} . وروى الخمسة إلا أبا داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فُضّلتُ على الأنبياء بست : أعطيت جوامعَ الكلم ، ونُصرِتُ بالرُّعب ، وأُحّلت إليَّ الغنائمُ ، وجُعلت لي الأرض طَهوراً ومسجداً ، وأُرسلتُ إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيونَ " {[2458]} .