{ فسوف يحاسب حساباً يسيرا } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا نافع ، عن ابن عمر ، حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه ، وإن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حوسب عذب ، قالت عائشة رضي الله عنها فقلت : للنبي : أو ليس يقول الله عز وجل : { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } قالت : فقال : إنما ذلك العرض ، ولكن من نوقش في الحساب هلك " .
ثم فصل - سبحانه - بعد ذلك عاقبة هذا الكدح ، والسعى المتواصل . . فقال - تعالى - : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً . وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً } .
والمراد بالكتاب هنا : صحيفة العمل التى سجلت فيها حسنات الإِنسان وسيئاته .
والمراد بالحساب اليسير : عرض الأعمال ، مع التجاوز عن الهفوات ، بفضل الله - تعالى - : أى : الناس جميعا يكدحون فى هذه الحياة ، ثم يعودون إلى خالقهم للحساب والجزاء ، فأما من أعطى كتابه بيمينه ، وهم المؤمنون الصادقون ، فسوف يحاسب من ربه - تعالى - حسابا يسيرا سهلا ، بأن تعرض أعماله على خالقه - تعالى - ثم يكون التجاوز عن المعاصى والثواب على الطاعة ، بدون مناقشة أو مطالبة بعذر أو حجة .
ثم ينقلب هذا الإِنسان بعد ذلك إلى أهله وعشيرته ، مبتهجا مسرورا ، بسبب فضل الله - تعالى - عليه ، ورحمته به .
وعبر - سبحانه - عن فوز هذا الإِنسان : بأنه يؤتى كتابه بيمينه ، للإِشعار بأنه من أهل السعادة والتقوى ، فقد جرت العادة أن اليد اليمنى إنما تتناول بها الأشياء الزكية الحسنة . والباء فى قوله { بيمينه } للملابسة أو المصاحبة ، أو بمعنى فى .
قال الآلوسى : والحساب اليسير : هو السهل الذى لا مناقشة فيه . وفسره صلى الله عليه وسلم بالعرض وبالنظر فى الكتاب ، مع التجاوز ، أخرج الشيخان عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ليس أحد يحاسب إلا هلك " قلت يا رسول الله ، جعلنى الله فداك ، أليس الله - تعالى - يقول { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ .
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ، قال : ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك " .
وأخرج الإِمام أحمد عن عائشة - أيضا - قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى بعض صلاته : " اللهم حاسبنى حسابا يسيرا " فلما انصرف قلت له : يا رسول الله ، ما الحساب اليسير ؟ قال : " أن ينظر فى كتابه فيتجاوز له عنه " " .
وهو يحاسب حسابا يسيرا . فلا يناقش ولا يدقق معه في الحساب . والذي يصور ذلك هو الآثار الواردة عن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وفيها غناء . .
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " من نوقش الحساب عذب " قالت : قلت : أفليس قال الله تعالى : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) . قال : " ليس ذلك بالحساب ، ولكن ذلك العرض . من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " . .
وعنها كذلك قالت : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول في بعض صلاته : " اللهم حاسبني حسابا يسيرا " . . فلما انصرف قلت : يا رسول الله ، ما الحساب اليسير ? قال : " أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه . من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك " . .
ثم قسم تعالى الناس إلى : المؤمن والكافر ، فالمؤمنون يعطون كتبهم بأيمانهم ومن ينفذ عليه الوعيد من عصاتهم فإنه يعطى كتابه عند خروجه من النار ، وقد جوز قوم أن يعطاه أولاً قبل دخوله النار ، وهذه الآية ترد على هذا القول ، و «الحساب اليسير » : هو العرض : وأما من نوقش الحساب ، فإنه يهلك ويعذب{[11705]} ، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
«من حوسب عذب » فقالت عائشة : ألم يقل الله { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنا ذلك العرض ، وأما من نوقش الحساب فيهلك » وفي الحديث من طريق ابن عمر : «إن الله تعالى يدني العبد حتى يضع عليه كنفه ، فيقول : ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ثم يقول له : فلم فعلت كذا وكذا لمعاصيه ، فيقف العبد حزيناً فيقول الله تعالى : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم{[11706]} » وقالت عائشة : سمعت رسول النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «اللهم حاسبني حساباً يسيراً » قلت يا رسول الله ، وما هو ؟ فقال : «أن يتجاوز عن السيئات{[11707]} » وروي عن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من حاسب نفسه في الدنيا ، هون الله تعالى حسابه يوم القيامة{[11708]} »
وحرف ( سوف ) أصله لحصول الفعل في المستقبل ، والأكثر أن يراد به المستقبل البعيد وذلك هو الشائع ، ويقصد به في الاستعمال البليغ تحقق حصول الفعل واستمراره ومنه قوله تعالى : { قال سوف أستغفر لكم ربي } في سورة [ يوسف : 98 ] ، وهو هنا مفيد للتحقق والاستمرار بالنسبة إلى الفعل القابل للاستمرارِ وهو ينقلب إلى أهله مسروراً وهو المقصود من هذا الوعد . وقد تقدم عند قوله تعالى : { فسوف نصليه ناراً } في سورة [ النساء : 30 ] . v
والحساب اليسير : هو عَرْض أعماله عليه دون مناقشة فلا يَطول زمنه فيعجَّلُ به إلى الجنة ، وذلك إذا كانت أعماله صالحة ، فالحساب اليسير كناية عن عدم المؤاخذة .
و{ من أوتي كتابه وراء ظهره } هو الكافر . والمعنى : إنه يؤتى كتابه بشماله كما تقتضيه المقابلة ب { من أوتي كتابه بيمينه } وذلك أيضاً في سورة الحاقة قوله : { وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه } ، أي يعطى كتابه من خلفه فيأخذه بشماله تحقيراً له ويناول له من وراء ظهره إظهاراً للغضب عليه بحيث لا ينظر مُناوِلُه كتابَه إلى وجهه .