معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ} (18)

{ الذي يؤتي ماله } يعطي ماله ، { يتزكى } يطلب أن يكون عند الله زاكياً لا رياء ولا سمعة ، يعني أبا بكر الصديق ، في قول الجميع . قال ابن الزبير : كان أبو بكر يبتاع الضعفة فيعتقهم ، فقال أبوه : أي بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك ؟ قال : منع ظهري أريد ، فنزل { وسيجنبها الأتقى } إلى آخر السورة . وذكر محمد بن إسحاق قال : كان بلال لبعض بني جمع وهو بلال بن رباح واسم أمه حمامة ، وكان صادق الإسلام طاهر القلب ، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له : لا تزال هكذا حتى تموت ، أو تكفر بمحمد ، فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد أحد . قال محمد بن إسحاق ، عن هشام بن عروة عن أبيه قال : مر به أبو بكر يوماً وهم يصنعون به ذلك ، وكانت دار أبي بكر في بني جمح ، فقال لأمية ألا تتقي الله تعالى في هذا المسكين ؟ قال : أنت أفسدته فأنقذه مما ترى ، قال أبو بكر : أفعل ! عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك ، أعطيكه ؟ قال : قد فعلت فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذه فأعتقه ، ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ست رقاب ، بلال سابعهم وهم : عامر بن فهيرة شهد بدراً وأحداً ، وقتل يوم بئر معونة شهيداً ، وأم عميس ، وزهرة فأصيب بصرها وأعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى ، وما تنفعان فرد الله إليها بصرها ، وأعتق النهدية وابنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما تحطبان لها وهي تقول والله لا أعتقكما أبداً . فقال أبو بكر : كلا يا أم فلان ، فقالت : كلا ، أنت أفسدتهما فأعتقهما ، قال : فبكم ؟ قالت : بكذا وكذا ، قال : قد أخذتهما وهما حرتان ، ومر بجارية بني المؤمل وهي تعذب فابتاعها فأعتقها .