التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (59)

{ وإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 10 قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ 11 قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ 12 ويَضِيقُ صَدْرِي ولَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ 13 ولَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ 14 قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ 15 فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 16 أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ 17 قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا ولِيدًا ولَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ 18 وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ 19 قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ 20 فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ 21 وتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ 22 قَالَ فِرْعَوْنُ ومَا رَبُّ الْعَالَمِينَ 23 قَالَ رَبُّ السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ومَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ 24 قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ 25 قَالَ رَبُّكُمْ ورَبُّ آبَائِكُمُ الْأَولِينَ 26 قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ 27 قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ومَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ 28 قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ 29 قَالَ أَولَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ 30 قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 31 فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ 32 ونَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ 33 قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ 34 يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ 35 قَالُوا أَرْجِهِ وأَخَاهُ وابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ 36 يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ 37 فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ 38 وقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ 39 لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ 40 فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ 41 قَالَ نَعَمْ وإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 42 قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ 43 فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وعِصِيَّهُمْ وقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ 44 فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا 45 فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ 46 قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ 47 رَبِّ مُوسَى وهَارُونَ 48 قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ولَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ 49 قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ 50 إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَولَ الْمُؤْمِنِينَ 51* وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ 52 فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ 53 إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ 54 وإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ 55 وإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ 56 فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وعُيُونٍ 57 وكُنُوزٍ ومَقَامٍ كَرِيمٍ 58 كَذَلِكَ وأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ 59 فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ 60 فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ 61 قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ 62 فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ 63 وأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ 64 وأَنجَيْنَا مُوسَى ومَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ 65 ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ 66 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ومَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ 67 وإِنَّ رَبَّكَ لَهُو الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 68 } [ 1068 ]

تعليق على قصة موسى وفرعون في السورة

الآيات أولى حلقات سلسلة طويلة في قصص الأنبياء وأقوامهم اقتضت حكمة التنزيل تكرارها في هذه السورة . وقد جاءت عقب الآيات التي نددت بالمكذبين المستهزئين وأنذرتهم ، جريا على الأسلوب القرآني وبقصد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتثبيتهم بما كان من الأقوام السابقة تجاه أنبيائهم من مواقف مماثلة لمواقف الكفار . فهي والحال هذه متصلة بالسياق .

وقد احتوت هذه الحلقة قصة إرسال الله تعالى موسى عليه السلام إلى فرعون ومعجزة العصا واليد البيضاء والمناظرة بين موسى عليه السلام والسحرة وتغلبه عليهم وخروج بني إسرائيل بقيادته ونجاتهم وإغراق فرعون . وعبارتها واضحة ، ومعظم ما جاء فيها ورد في سورتي طه والأعراف مع بعض زيادة أو نقص في الأسلوب اقتضتهما حكمة التنزيل .

والجديد في الآيات تخوف موسى عليه السلام من القتل لذنب صدر منه وتذكير فرعون له به . وفي سورة القصص إيضاح لذلك ، حيث حكت بعض آياتها استصراخ رجل عبراني لموسى عليه السلام على عدوّ له فقتله ثم هرب إلى مدين خوفا . وقد ورد هذا في الإصحاح الثاني من سفر الخروج .

ولحوق اللازمة بهذه الحلقة دليل على أنها كمثيلاتها قد نزلت للتذكير وضرب المثل والتسلية . لأن ضمير الآية الأولى في اللازمة راجع إلى الكفار بالدعوة المحمدية .

ولقد احتوت الآيات حكاية تهديد فرعون لموسى عليه السلام بالسجن ونعته إياه بالجنون . وفي هذا شيء من المماثلة بين موقف فرعون وأقواله وبين موقف كفار العرب وأقوالهم للنبي صلى الله عليه وسلم حيث انطوى في ذلك التسلية والتطمين أيضا . فقد نصر الله موسى عليه السلام على فرعون مع قوته وجبروته مع تهديده ومنعته ، وأغرقه مع قومه وهو القادر على أن يفعل ذلك مع كفار العرب .

ولقد أورد المفسرون على هامش هذه الحلقة بيانات كثيرة معزوة إلى علماء التابعين . منها ما هو تكرار لما أورده في سياق سورتي الأعراف وطه . ومنها ما هو متطابق مع ما جاء في أسفار العهد القديم الأربعة التي تؤرخ رسالة موسى وعهده والمتداولة اليوم . ومنها غير المتطابق ولم نر ضرورة لمجاراتهم لأننا أوردنا في السور السابقة ما رأينا في الكفاية والفائدة من ذلك . ولقد جاء ما أوردوه في نطاق ما احتوته الآيات حيث ينطوي في هذا تدعيم لما قلناه من أن ما جاء في القرآن من جزئيات الحلقة كان المتداول في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم . وليس لهذا مصدر إلا اليهود وما كان في أيديهم من قراطيس .

ومن الجديد في الحلقة تهديد فرعون لموسى عليه السلام بالسجن ونعته إياه بالجنون . والمتبادر أن ذلك مما كان متداولا وقد استهدف ذكره ما نبهنا عليه أيضا من تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتطمينه . ومن الجديد كذلك ما جاء في الآيات [ 57 59 ] حيث قد تفيد أن الله تعالى أورث بني إسرائيل كنوز فرعون وقومه وجناتهم ويجوز أن يكون هذا من مدى تعبير آية الأعراف التي ذكرت أن الله أورث بني إسرائيل مشارق الأرض التي بارك فيها ومغاربها . وقد كانت في نطاق سلطان فراعنة مصر قبل أن يخرج بنو إسرائيل من مصر . ولقد علقنا على هذا الإرث في سياق آية سورة الأعراف فلا حاجة إلى الإعادة .

ولقد روى الحسن العسكري المفسر الشيعي في تفسير للآيات [ 49 50 ] من سورة البقرة في صدد اجتياز بني إسرائيل البحر رواية عجيبة غريبة تثير التعجب في قارئها لتسويغ مفسري الشيعة لصنع مثل هذه الروايات وحشو كتبهم بها ويكشف شدة استغراقهم في حزبيتهم حتى جعلتهم لا يرون في الهراء عيبا . وقد رأينا أن نوردها هنا بمناسبة هذه السلسلة التي ورد فيها خبر ذلك الاجتياز . وقد جاء في الرواية " أن موسى لما انتهى إلى البحر أوحى الله إليه أن قل لبني إسرائيل : جددوا توحيدي وأسروا بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدي وإمائي ، وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي محمد وآله الطيبين ، وقولوا اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء فإن الماء يتحول لكم أرضا . وترد بنو إسرائيل في تصديق ذلك حتى جرب الأمر طالب بن يوحنا فتحقق . وحينئذ طلب بنو إسرائيل أن يكون لكل سبط طريقهم الخاص ، وأن تكون جدران كل طريق شفافة حتى يرى بعضهم بعضا أثناء الاجتياز فكان الله يأمر موسى بأن يقول لهم : توسلوا إلي بجاههم حتى أحقق لكم مطالبكم ، فكانوا يتوسلون وحقق لهم ما طلبوه{[1564]} .


[1564]:التفسير والمفسرون للذهبي ج 3.