التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (10)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 8 ) وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ( 9 ) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ( 10 ) } ( 8 – 10 ) .

تعليق على الآية

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ . . . . . . . . . . . . . . . . }

والآيتين التاليتين لها

عبارة الآيات واضحة . وقد احتوت أولاها هتافا للمسلمين بأن يكونوا قوامين لله فيما أمر ونهى ومراعين جانبه وحده في الشهادة بالقسط والحق والعمل بهما والتعاون على إقرارهما ، دون أن يكون لبغضهم لقوم ما تأثير يؤدي إلى الإخلال بواجب العدل والانحراف عن جادة القسط والحق . فهذا هو واجبهم وهو الأمثل بالمؤمنين . والمحقق لمعنى تقوى الله ، والموجب لرضائه . وعليهم أن يلاحظوا دائما أنه خبير بكل ما يفعلونه . أما الآيتان الثانية والثالثة فقد احتوتا تعقيبا على ذلك الهتاف ودعما له وتثبيتا للمسلمين : فالذين آمنوا بالله ولزموا حدوده وعملوا الصالحات لهم المغفرة والأجر العظيم وعدا من الله . أما الذين يكفرون بالله ويكذبون بآياته وينحرفون عن حدوده فهم أصحاب الجحيم .

ولقد روى الطبري : أن الآية الأولى نزلت في اليهود حينما هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الرواية وروايات مقاربة من بابها مروية في تفسير الطبري وغيره كسبب لنزول الآية التي تأتي بعد هذه الآيات . ولم يرو المفسرون الآخرون فيما اطلعنا عليه رواية ما في صدد هذه الآيات . وفحوى الآيات يجعل المناسبة التي يرويها الطبري أكثر ملائمة لنزول الآية التالية . ويحمل على التوقف فيها بالنسبة لهذه الآيات .

والذي يتبادر لنا من روحها وفحواها أنها نزلت في مناسبة أخرى كان فيها خصومة أو مقاضاة بين فريق من المسلمين وآخر من غيرهم . وحاول الفريق المسلم أو عمد إلى الجنف على الفريق الثاني أو الشهادة في حقه شهادة غير صحيحة متأثرا بعدائه وبغضائه . بل وقد يخطر للبال أن يكون موضوع الآيات متصلا بالآية الثانية من السورة التي تحذر المسلمين من أن يحملهم بغضاؤهم لقوم على الإثم والعدوان والتعاون عليهما . فإن صح هذا أمكن القول أن الآيات جزء من السلسلة السابقة التي يمكن أن تكون نزلت دفعة واحدة أو متلاحقة . وقد يبرر هذا ما بين الآيات من تماثل في الخطاب الموجه للمؤمنين وفي الهدف التشريعي والتحذيري . وإن لم يصح فإن من المحتمل كثيرا أن تكون نزلت بعدها فوضعت بعدها أو وضعت بعدها للتناسب التشريعي . والله أعلم .

والمبدأ الذي احتوته الآية الأولى متسق من حيث الأصل مع تقريرات القرآن ومبادئه التي تضمنتها آيات كثيرة مكية ومدنية . وقد جاء ما يقاربها بنوع خاص في آية سورة النساء ( 135 ) . غير أن الأسلوب الذي جاءت به الآية والتعقيب والتدعيم والتبشير والإنذار الذي جاء في الآيتين التاليتين لها يجعل ما احتوته قويا ساطعا ، ويجعلها من أروع الآيات القرآنية وأبعدها مدى في مجال الحق والعدل والتجرد والنزاهة شهادة وعملا وقضاء وتطمينا . وفي واجب مراعاة جانب الله وحده في هذا المجال وعدم التأثر فيه بعداء وبغضاء وأحقاد . وإذا لوحظ أن الشنآن إنما كان على الأكثر واردا فيما بين المسلمين وغير المسلمين تجلت روعة الآية ومداها أكثر .

وهناك أحاديث عديدة في وجوب العدل والحكم به والشهادة به أوردناها في سياق الآية ( 135 ) من سورة النساء التي فيها أمر مماثل لما في هذه الآية ، فنكتفي بهذا التنبيه .