التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ} (50)

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ { 46 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 47 } ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [ 1 ] { 48 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 49 } فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ { 50 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 51 } فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ { 52 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 53 } مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ [ 2 ] دَانٍ [ 3 ] { 54 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 55 } فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ [ 4 ] لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [ 5 ] إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ { 56 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 57 } كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ { 58 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 59 } هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ { 60 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 61 }

والمقاطع فصل جديد ، فيه بيان المصير الأخروي للذين يخافون الله ويتقونه بالإيمان وصالح الأعمال مقابل فصلي الإنذار والوعيد السابقين ، وبيان مصير المجرمين الأخروي جريا على مألوف النظم القرآني . فهي والآيات السابقة سياق متسلسل . وعبارتها واضحة . والوصف الذي احتوته مشوق قوي . وقد استهدف فيما استهدفه كما هو المتبادر تبشير المؤمنين المتقين وتشويقهم . وإغراء غيرهم على الخوف من الله وتقواه والارعواء عن الغي والضلال .

وذكر الفرش التي بطائنها من استبرق وتشبيه جمال نساء الجنة بالياقوت والمرجان قد يدلّ على أن هذه الأشياء مما يعرفها السامعون ويعرفون أنها عنوان الترف والبهاء والصفاء والجمال .

ولقد روى الشيخان في سياق آية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } عن عبد الله بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «جنّتان من فضة آنيتها وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنّة عدن »{[2106]} . حيث ينطوي في الحديث توضيح أو تعليل لتثنية الجنة فيه إشارة إلى تفاوت ما بين الجنتين . ومع ذلك فالمفسرون يروون تأويلات أخرى منها أن واحدة للجن وأخرى للإنس . ومنها أن واحدة لمستحقيها وأخرى لأزواجهم . ومنها أن واحدة للنزهة وأخرى للسكن .

وعلى كل حال فإنه لا بد من أن يكون لورود الجملة بالنظم الذي وردت به حكمة ربانية في صدد التطمين والتشويق إلى ما أعدّه الله تعالى لمن يخشونه ويتقونه من النعيم الأخروي .

والخوف من مقام الله ذو مدى واسع إيجابي وسلبي حيث يشمل الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح في مختلف المجالات من ناحية واجتناب الإثم والفواحش والبغي من ناحية أخرى .

ولقد روى الطبري بطرقه عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوما { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : يا رسول الله وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال : وإن زنى وإن سرق رغم أنف رغم أنف أبي الدرداء . وروى بطرقه أنه قيل لأبي الدرداء في هذه الآية وإن زنى وإن سرق فقال : إنه إن خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق ؛ حيث يبدو أن في الحديث الثاني توضيحا لما فهمه أبو الدرداء من الحديث الأول . وعلى كل حال فإن صحّ الحديث النبوي الذي لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة فالأولى حمله على أن الزاني أو السارق إذا استشعر بخوف الله بعد عمله وندم وتاب وحسنت توبته وأصلح واصطلح نال رضاء الله وعفوه وصار مستحقا لما وعده لمن خاف مقامه .


[2106]:انظر التاج 4/224