مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ} (50)

قوله تعالى : { فيهما عينان تجريان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، فيهما من كل فاكهة زوجان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي في كل واحدة منهما عين جارية ، كما قال تعالى : { فيها عين جارية } وفي كل واحدة منهما من الفواكه نوعان ، وفيها مسائل بعضها يذكر عند تفسير قوله تعالى : { فيهما عينان نضاختان ، فيهما فاكهة ونخل ورمان } وبعضها يذكر هاهنا .

المسألة الأولى : هي أن قوله : { ذواتا أفنان } و { فيهما عينان تجريان } و { فيهما من كل فاكهة زوجان } كلها أوصاف للجنتين المذكورتين فهو كالكلام الواحد تقديره : جنتان ذواتا أفنان ، ثابت فيهما عينان ، كائن فيهما من كل فاكهة زوجان ، فإن قيل : ما الفائدة في فصل بعضها عن بعض بقوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ثلاث مرات مع أنه في ذكر العذاب ما فصل بين كلامين بها حيث قال : { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران } مع أن إرسال نحاس غير إرسال شواظ ، وقال : { يطوفون بينها وبين حميم آن } مع أن الحميم غير الجحيم ، وكذا قال تعالى : { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون } وهو كلام تام ، وقوله تعالى : { يطوفون بينها وبين حميم آن } كلام آخر ولم يفصل بينهما بالآية المذكورة ؟ نقول : فيه تغليب جانب الرحمة ، فإن آيات العذاب سردها سردا وذكرها جملة ليقصر ذكرها ، والثواب ذكره شيئا فشيئا ، لأن ذكره يطيب للسامع فقال بالفصل وتكرار عود الضمير إلى الجنس بقوله : { فيهما عينان } ، { فيهما من كل فاكهة } لأن إعادة ذكر المحبوب محبوب ، والتطويل بذكر اللذات مستحسن .

المسألة الثانية : قوله تعالى : { فيهما عينان تجريان } أي في كل واحدة عين واحدة كما مر .