تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه ، وأن يهجرهم هجرًا جميلا وهو الذي لا عتاب معه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

واصبر على ما يقولون من الخرافات واهجرهم هجرا جميلا بأن تجانبهن وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{واصبر على ما يقولون} من تكذيبهم إياه بالعذاب ومن الأذى.

{واهجرهم هجرا جميلا} يعني اعتزلهم اعتزالا جميلا حسنا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اصبر يا محمد على ما يقول المشركون من قومك لك، وعلى أذاهم، واهجرهم في الله هجرا جميلاً.

والهجر الجميل: هو الهجر في ذات الله، كما قال عزّ وجلّ:"وَإذَا رَأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ"...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

اصبر على تكذيبهم إياك. ألا ترى إلى قوله في سياق الآية: {وذرني والمكذبين أولي النعمة}؟ [المزمل: 11] فثبت أنه دعا إلى الصبر على التكذيب. وجائز أن يكون منصرفا إلى هذا وإلى غيره، لأنهم كانوا لا يقتصرون على الكذب، بل كانوا ينسبونه إلى الكذب أولا وإلى السحر ثانيا وإلى الجنون ثالثا وإلى أنه يتيم رابعا، فكانوا يؤذونه بأنواع الأذى. فجائز أن يكون قوله: {واصبر على ما يقولون} منصرفا إلى كل ذلك.

{واهجرهم هجرا جميلا} فجائز أن يكون تأويله: اهجرهم وقت سبهم ونسبتهم إياك إلى ما لا يليق بك، ولا تعبأ بهم، ولا تكترث إليهم وإلى ما يتقولون عليك لأن ذلك بعض ما يزجر المتقول والسابّ عما هو فيه، هو كقوله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} [الفرقان: 63].

ثم الأمر بالصبر يقع بخصال ثلاث:

إحداها: ألاّ تجازهم على تكذيبهم إياك بتكذيبك إياهم.

والثانية: ألاّ تجزع عليهم، وفي الجزع بعض التسلي والتشفي.

والثالثة: ألاّ تدعو عليهم بالهلاك والتّبار، بل اصبر على ذلك.

ويحتمل أن يكون تأويله: أن انقطع عنهم انقطاعا جميلا، والانقطاع الجميل ألا يترك شفقته عليهم ولا يدعو عليهم بالهلاك ولا يمتنع عن دعائهم إلى ما فيه رشدهم وصلاحهم، ولذلك قال في وقت أذاهم: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون): [الزبيدي في الإتحاف 8/258 وبنحوه البيهقي في دلائل النبوة 3/215].

ويحتمل أن يكون هجره إياهم هجرا جميلا، وهو ألا يكافئهم بالسيئة، بل يدفع السيئة بالحسنة كقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: 96] إذ ذلك أدعى للخلق إلى إجابة من يفعل ذلك بهم عند المعاملة، والله أعلم.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{واهْجُرهم هَجْراً جَميلاً} فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: اصفح عنهم وقل سلام، قاله ابن جريج.

الثاني: أن يعرض عن سفههم ويريهم صغر عداوتهم.

الثالث: أنه الهجر الخالي من ذم وإساءة.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(واهجرهم هجرا جميلا) فالهجر الجميل إظهار الجفوة من غير ترك الدعاء إلى الحق على وجه المناصحة.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الهَجْرُ الجميل: أن تعاشرَهم بظاهرك وتُباينَهم بِسِرِّك وقلبك.

ويقال: الهجرُ الجميل ما يكون لحقِّ ربِّك لا بِحَظِّ نَفْسِك.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن مهمات العباد محصورة في أمرين: كيفية معاملتهم مع الله، وكيفية معاملتهم مع الخلق، والأول أهم من الثاني، فلما ذكر تعالى في أول هذه السورة ما يتعلق بالقسم الأول أتبعه بما يتعلق بالقسم الثاني، وهو سبحانه جمع كل ما يحتاج إليه من هذا الباب في هاتين الكلمتين، وذلك لأن الإنسان إما أن يكون مخالطا للناس أو مجانبا عنهم، فإن خالطهم فلا بد له من المصابرة على إيذائهم وإيحاشهم، فإنه إن كان يطمع منهم في الخير والراحة لم يجد فيقع في الغموم والأحزان، فثبت أن من أراد مخالطة مع الخلق فلا بد له من الصبر الكثير، فأما إن ترك المخالطة فذاك هو الهجر الجميل، فثبت أنه لا بد لكل إنسان من أحد هذين الأمرين، والهجر الجميل أن يجانبهم بقلبه وهواه ويخالفهم في الأفعال مع المدارة والإغضاء وترك المكافأة، ونظيره {فأعرض عنهم وعظهم"، "وأعرض عن الجاهلين"، "فأعرض عم من تولى عن ذكرنا".

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كانت الوكالة لا تكون إلا فيما يعجز، وكان الأمر بها مشيراً إلى أنه لا بد أن يكون عن هذا القول الثقيل خطوب طوال وزلازل وأهوال، قال: {واصبر} وأشار إلى عظمة الصبر بتعديته بحرف الاستعلاء فقال: {على ما} وخفف الأمر بالإشارة إلى أنهم لا يصلون إلى غير الأذى بالقول، وعظمه باستمرارهم عليه فقال: {يقولون} أي المخالفون المفهومون من الوكالة من مدافعتهم الحق بالباطل في حق الله وحقك.

ولما كانت مجانبة البغيض إلا عند الاضطرار مما يخفف من أذاه قال: {واهجرهم} أي أعرض عنهم جهاراً دافعاً للهرج مهما أمكن {هجراً جميلاً} بأن تعاشرهم بظاهرك وتباينهم بسرك وخاطرك، فلا تخالطهم إلا فيما أمرك الله به على ما حده لك من دعائهم إليه سبحانه ومن موافاتهم في أفراحهم وأحزانهم فتؤدي حقوقهم ولا تطالبهم بحقوقك لا تصريحاً ولا تلويحاً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم وجه الله الرسول إلى الصبر الجميل على ما يلقاه من قومه من الاتهام والإعراض والصد والتعطيل. وأن يخلي بينه وبين المكذبين! ويمهلهم قليلا. فإن لدى الله لهم عذابا وتنكيلا:

واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا. وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا. إن لدينا أنكالا وجحيما. وطعاما ذا غصة وعذابا أليما. يوم ترتجف الأرض والجبال، وكانت الجبال كثيبا مهيلا.. إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا. فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا، السماء منفطر به كان وعده مفعولا..

وإذا صحت الرواية الأولى عن نزول مطلع هذه السورة في بدء البعثة، فإن هذا الشوط الثاني منها يكون قد نزل متأخرا بعد الجهر بالدعوة، وظهور المكذبين والمتطاولين، وشدتهم على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وعلى المؤمنين. فأما إذا صحت الرواية الثانية فإن شطر السورة الأول كله يكون قد نزل بمناسبة ما نال النبي [صلى الله عليه وسلم] من أذى المشركين وصدهم عن الدعوة.

وعلى أية حال فإننا نجد التوجيه إلى الصبر، بعد التوجيه إلى القيام والذكر، وهما كثيرا ما يقترنان في صدد تزويد القلب بزاد هذه الدعوة في طريقها الشاق الطويل، سواء طريقها في مسارب الضمير أو طريقها في جهاد المناوئين، وكلاهما شاق عسير.. نجد التوجيه إلى الصبر. (واصبر على ما يقولون) مما يغيظ ويحنق، (واهجرهم هجرا جميلا).. لا عتاب معه ولا غضب، ولا هجر فيه ولا مشادة. وكانت هذه هي خطة الدعوة في مكة -وبخاصة في أوائلها.. كانت مجرد خطاب للقلوب والضمائر، ومجرد بلاغ هادئ ومجرد بيان منير.

والهجر الجميل مع التطاول والتكذيب، يحتاج إلى الصبر بعد الذكر. والصبر هو الوصية من الله لكل رسول من رسله، مرة ومرة ومرة؛ ولعباده المؤمنين برسله. وما يمكن أن يقوم على هذه الدعوة أحد إلا والصبر زاده وعتاده، والصبر جنته وسلاحه، والصبر ملجؤه وملاذه. فهي جهاد.. جهاد مع النفس وشهواتها وانحرافاتها وضعفها وشرودها وعجلتها وقنوطها.. وجهاد مع أعداء الدعوة ووسائلهم وتدبيرهم وكيدهم وأذاهم. ومع النفوس عامة وهي تتفصى من تكاليف هذه الدعوة، وتتفلت، وتتخفى في أزياء كثيرة وهي تخالف عنها ولا تستقيم عليها. والداعية لا زاد له إلا الصبر أمام هذا كله، والذكر وهو قرين الصبر في كل موضع تقريبا!

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ويأتي هنا مقام الصبر والهجران، لكثرة اتهامات الأعداء وإيذاءهم له في طريق الدعوة إلى اللّه، فالفلاح إذا أراد قطف الورود، عليه أن يصبر ويتحمل أذى الأشواك، مضافاً إلى ذلك يلزم الابتعاد عنهم وهجرانهم أحياناً، وليبقى في مأمن من شرّهم، ويعطيهم بذلك درساً بالغاً، ولا يعني ذلك قطع سبل التربية والتبليغ والدعوة إلى اللّه.

وعلى هذا فإنّ الآيات المذكورة آنفاً تعتبر وثيقة من الأوامر تعطي للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولمن يحذو حذوه هذا المفهوم، وهو أن يستمد العون من عبادة الليل والدعاء والتضرع إلى اللّه تعالى ويسقي هذه الشجرة بماء ذكر اللّه تعالى، والإخلاص والتوكل والصبر والهجران الجميل، يا لها من صحيفة جامعة وجميلة!

التعبير ب «ربّ المشرق والمغرب» إشارة إلى الحاكمية والرّبوبية على العالم المشهور كلّه.

«الهجر الجميل»: كما أشرنا من قبل، يعني الهجران الملازم للشفقة والاستمرار بالدعوة إلى اللّه الذي يعتبر أحد طرق التربية في مراحل خاصّة، ولا يتنافى ذلك مع الجهاد في المراحل الأخرى، فلكل أمر مقام.

وبعبارة أخرى أنّ ذلك لا يعتبر من الابتعاد عنهم وعدم الاكتراث بهم، بل هو اكتراث بحدّ ذاته...