تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

وقوله تعالى : { وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } أي : قد حصل المقصودُ من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح .

وذكر السدي وغيره أنه أمَرّ السكين على رقبته فلم تقطع شيئًا ، بل حال بينها وبينه صفيحة من نحاس ونودي إبراهيم ، عليه السلام ، عند ذلك : { قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } . وقوله : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } أي : هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ، ونجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا ، كقوله تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [ الطلاق : 2 ، 3 ] .

وقد استدل بهذه الآية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل ، خلافا لطائفة من المعتزلة ، والدلالة من هذه ظاهرة ؛ لأن الله تعالى شرع لإبراهيم ذَبْحَ ولده ، ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء ، وإنما كان المقصود من شرعه أولا إثابة الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك ؛ ولهذا قال تعالى : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

{ وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } بالعزم والإتيان بالمقدمات . وقد روي أنه أمر السكين بقوته على حلقه مرارا فلم تقطع ، وجواب " لما " محذوف تقديره كان ما كان مما ينطلق به الحال ولا يحيط به المقال ، من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله ، وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك . { إنا كذلك نجزي المحسنين } تعليل لإفراج تلك الشدة عنهما بإحسانهما ، واحتج به من جوز النسخ قبل وقوعه فإنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورا بالذبح لقوله { يا أبت افعل ما تؤمر } ولم يحصل .