تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ} (18)

{ وَلا يَسْتَثْنُونَ } أي : فيما حلفوا به .

ولهذا حنثهم الله في أيمانهم ، فقال : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ} (18)

يعني تعالى ذكره بقوله : إنّا بَلَوْناهُمْ : أي بلونا مشركي قريش ، يقول : امتحناهم فاختبرناهم ، كمَا بَلَوْنا أصحَابَ الجَنّةِ ، يقول : كما امتحنا أصحاب البستان ، { إذْ أقْسَمُوا لَيَصْرِمُنّها مُصْبِحِينَ } يقول : إذ حلفوا ليصرمُنّ ثمرها إذا أصبحوا . وَلا يَستَثْنون : ولا يقولون إن شاء الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماكَ ، عن عكرِمة ، في قوله : { لا يَدْخُلَنّها اليَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكينٌ } قال : هم ناس من الحبشة كانت لأبيهم جنة ، كان يطعم المساكين منها ، فلما مات أبوهم ، قال بنوه : والله إن كان أبونا لأحمق حين يُطعم المساكين ، فأقسموا ليصرمنها مصبحين ، ولا يستثنون ، ولا يطعمون مسكينا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { لَيَصْرِمُنّها مُصْبِحينَ } قال : كانت الجنة لشيخ ، وكان يتصدّق ، فكان بنوه ينهونه عن الصدقة ، وكان يمسك قوت سنته ، وينفق ويتصدّق بالفضل ، فلما مات أبوهم غدوا عليها فقالوا : { لا يَدْخُلَنّهَا اليَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ } .

وذُكر أن أصحاب الجنة كانوا أهل كتاب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { إنّا بَلَوْناهُمْ كمَا بَلَوْنا أصحَابَ الجَنّةِ إذْ أقْسَمُوا . . . }الاَية ، قال : كانوا من أهل الكتاب .

والصرم : القطع ، وإنما عنى بقوله لَيَصْرِمُنّها لَيَجُدّنّ ثمرتها ، ومنه قول امرىء القيس :

صَرَمَتْكَ بَعْدَ تَوَاصُلٍ دَعْدُ *** وَبَدا لِدَعْدٍ بعضُ ما يَبْدُو

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ} (18)

ومعنى { لا يستثنون } : أنهم لا يستثنون من الثمرة شيئاً للمساكين ، أي أقسموا ليَصْرِمُنّ جميع الثمر ولا يتركون منه شيئاً . وهذا التعميم مستفاد مما في الصرم من معنى الخزن والانتفاع بالثمرة وإلاّ فإن الصرم لا ينافي إعطاءَ شيء من المجذوذ لمن يريدون . وأُجمل ذلك اعتماداً على ما هو معلوم للسامعين من تفصيل هذه القصة على عادة القرآن في إيجاز حكاية القصص بالاقتصار على موضع العبرة منها .

وقيل معناه : { لا يستثنون } لإِيمانهم بأن يقولوا إن شاء الله كما قال تعالى : { ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلاّ أن يشاء الله } [ الكهف : 2324 ] . ووجه تسميته استثناء أن أصل صيغته فيها حرف الاستثناء وهو ( إلاّ ) ، فإذا اقتصر أحد على « إن شاء الله » دون حرف الاستثناء أطلق على قوله ذلك استثناءٌ لأنه على تقدير : إلا أن يشاء الله . على أنه لما كان الشرط يؤول إلى معنى الاستثناء أطلق عليه استثناء نظراً إلى المعنى وإلى مادة اشتقاق الاستثناء .

وعلى هذا التفسير يكون قوله : { ولا يستثنون } من قبيل الإِدماج ، أي لِمبلغ غرورهم بقوة أنفسهم صاروا إذا عزموا على فعل شيء لا يتوقعون له عائقاً ، والجملة في موضع الحال ، والتعبير بالفعل المضارع لاستحضار حالتهم العجيبة من بُخلِهم على الفقراء والأيتام .

وعلى الروايات كلها يعلم أن أهل هذه الجنة لم يكونوا كفاراً ، فوجه الشبه بينهم وبين المشركين المضروب لهم هذا المثل هو بطر النعمة والاغترار بالقوة .