الآية 18 وقوله تعالى : { ولا يستثنون } قيل : أي لا يقولون : إن شاء الله ، وقيل : لا يقولون : سبحان الله .
فإن كان على هذا ففيه أن التسبيح كان مستعملا في موضع الاستثناء ، وقد يجوز أن يؤدي معنى الاستثناء ، لأن في تسبيح{[21796]} الرب تعالى وفي الاستثناء معنى التنزيه ، ولأن فيه إقرارا أن الله تعالى هو المغير للأشياء والمعدل لها .
ثم أصحاب الجنة بقسمهم قصدوا قصدا يلحقهم العصيان فيه ، وكان عهدهم الذي عاهدوا عليه معصية ، وعوتبوا بتركهم الاستثناء .
ففيه دلالة أن الله تعالى يوصف بالمشيئة لفعل العاصي ممن يعلم أنه يختارها / 588- أ/ لأنه لو لم يوصف به ، لم يكن لمعاتبته إياهم بتركهم الاستثناء معنى ؛ إذ لا يجوز استعمال الاستثناء في ما لا يجوز أن يوصف به الرب عز وجل .
ألا ترى [ أنه ]{[21797]} لا يستقيم أن يقال : إن شاء الله جاز ، وإن لم يشأ لم يجز ، وإن شاء ضل ، وإن يشأ لم يضل ، وإن شاء أكل ، وإن شاء لم يأكل .
فلو لم يوصف أيضا بإضلال من يعلم منه أنه يؤثر الضلال ، لم يجز أن يلاموا على ترك الاستثناء ، ولا مدخل للاستثناء فيه .
والذي فيه يدل على صحبة ما ذكرنا قوله تعالى : { من يشاء الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم } [ الأنعام : 39 ] فتبين أنه يشاء إضلال من ذكرنا .
وفيه [ دلالة ]{[21798]} أن خلق الشيء غير ذلك الشيء ، لأنه يستقيم أن يوصف الله تعالى بالإضلال ، ولا يجوز أن يوصف بالضلال . وإن كان الإضلال خلقا له ، ويوصف أنه المحيي والمميت ، فلا يستقيم أن يقال : إن شاء حيي ، وإن شاء مات ، وإن كان هو الذي خلقهما .
ثم ليس في قوله : { إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين } إبانة أن قسمهم كان بماذا ، فإذا كان بغير الله تعالى ففيه إبانة أن القسم قد يكون بغير الله تعالى ، وإن كان قسمهم بالله تعالى ، ففيه حجة لأبي يوسف على أبي حنيفة ، رحمهما الله تعالى ، أن اليمين إذا كانت موقتة فإن هلاك الشيء المحلوف بها قبل مضي وقتها ، لا يسقط اليمين ، بل تبقى بحالها ، وتلزم على صاحبها حكم الحنث إذا مضى وقتها ، لأن الثمر الذي حلفوا على صرمه قد هلك قبل الوقت الذي أوجب فيه الصرم .
فلو كانت اليمين تسقط عنهم بهلاك الثمر لم يكونوا يحتاجون إلى الاستثناء ، لأن الحاجة لإسقاط المؤنة التي تلزمهم بالحنث في اليمين .
فلو كان هلاك الثمر مسقطا لليمين ومؤنة الحنث لاستغنوا عن الاستثناء .
فلما لحقتهم اللائمة بتركهم الاستثناء ، دل أن المؤنة تبقى عليهم إذا غربت عن الاستثناء ، وإن كانت موقتة .
ولكن أبو حنيفة ، رحمه الله ، يسقط عنه اليمين بهلاك الشيء المحلوف عليه ، إذا كانت يمينه بالله تعالى ، ولا يسقطها إذا كانت بشيء من القرب والطاعات ، أعني الندب . وليس في الآية إبانة أن يمينهم كانت بالله تعالى ، فجائز أن تكون يمينهم بشيء من القرب ، فبقيت عليهم ، ولأنه عاتبهم على ترك الاستثناء لعزمهم على المعصية ، والاستثناء يسقط العزيمة ، لأن من عزم على المعصية ، وقال فيه : إن شاء الله ، لم يصر آثما بمقالته ، ولا صار عازما على المعصية ، وأبو حنيفة ليس يخرجه عن المعصية في اليمين الموقتة إذا عقدت على أمر من أمور المعصية .
والذي يدل على أن العتاب في ترك الاستثناء للوجه الذي ذكرنا ، أنه لم يذكر في شيء من الأخبار ، ولا ذكر في الكتاب أن أحدا منهم أمر بالتكفير .
ولو كان الحنث لازما لكانوا يلامون على ترك التكفير أيضا ، كما لحقتهم اللائمة بترك الاستثناء ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.