تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ لَهُمۡ نَصۡرٗا وَلَآ أَنفُسَهُمۡ يَنصُرُونَ} (192)

191

ثم قال تعالى : { وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا } أي : لعابديهم { وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } يعني : ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء ، كما كان الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، يكسر أصنام قومه ويهينُها غاية الإهانة ، كما أخبر تعالى عنه في قوله : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } [ الصافات : 93 ] وقال تعالى : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 58 ] وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل ، رضي الله عنهما - وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطبا للأرامل ، ليعتبر قومهما بذلك ، ويرتئوا لأنفسهم ، فكان لعمرو بن الجموح - وكان سيدًا في قومه - كان له صنم يعبده ويطيبه ، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ، ويلطخانه بالعَذِرة ، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفا ، ويقول له : " انتصر " . [ ثم ]{[12529]} يعودان لمثل ذلك ، ويعود إلى صنيعه أيضا ، حتى أخذاه مرة فقرنا معه جرو كلب ميت ، ودلَّياه في حبل في بئر هناك ، فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك ، نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل ، وقال :

تَالله لو كُنتَ إِلَها مُسْتَدن *** لم تَكُ والكَلْبُ جَمِيعًا في قَرنْ{[12530]}

ثم أسلم فَحسُن إسلامه ، وقتل يوم أحد شهيدًا ، رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل جنة الفردوس مأواه .


[12529]:زيادة من د، م، أ.
[12530]:انظر: الرجز في السيرة النبوية لابن هشام (1/354).