صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ} (33)

{ متاعا لكم ولأنعامكم } أي تمتيعا لكم ولأنعامكم . والآية تقريع لكفار مكة المنكرين للبعث ، زاعمين صعوبته ، بعد أن بين الله كمال سهولته بالنسبة إلى قدرته بقوله : " فإنما هي زجرة واحدة " . وبيان لدليلين مشاهدين ، وهما : السماء وما فيها والأرض وما فيها ، لا يسعهم إنكارهم ؛ ناطقين بكمال قدرته سبحانه ! فأخبر الله بأنه هو الذي بنى السموات السبع ورفعها وسواها ، وخلق ظلمة الليل ، وأبرز النهار ، وأخبرنا بعد ذلك بأنه هو الذي بسط الأرض ، ومهدها لسكنى أهلها ومعيشتهم فيها . وقدم الخبر الأول لأنه أدل على القدرة الباهرة لعظم السماء ، وانطوائها على الأعاجيب التي تحار فيها العقول . فبعدية الدحو إنما هي في الذكر لا في الإيجاد ، ويجعل المشار إليه هو ذكر المذكورات من البناء وما عطف عليه لا أنفسها ، لا يكون في الآية دليل على تأخر الدحو عن خلق السموات وما فيها ، ويكون الترتيب بين خلق الأرض وخلق السموات مستفادا من دليل آخر . وقد ذهب جمهور المفسرين إلى تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها ؛ أخذنا بظاهر آيتي البقرة وفصلت {[386]} بناء على تفسير الخلق فيهما بالإيجاد ، وهو معناه الظاهر ، " وتفسير ما عطف عليه من الأمور الثلاثة في آية فصلت بمعانيها الظاهرة ، وعلى أن " ثم " للتراخي في الزمان . وأما إذا فسر الخلق فيهما بالتقدير ، أو بالإيجاد مع تقدير الإرادة وكذلك ما عطف عليه . أو حملت " ثم " فيهما على التراخي في الرتبة فلا يكون فيهما أيضا دليل على الترتيب في الإيجاد .


[386]:آية 29 البقرة. وآيات 3 – 12 فصلت.