ومن الجولة في المصارع والأشلاء ، إلى جولة في الإنشاء والإحياء ، مع التقدير والتدبير ، للصغير والكبير :
( ألم نخلقكم من ماء مهين ? فجعلناه في قرار مكين ? إلى قدر معلوم ? فقدرنا فنعم القادرون . ويل يومئذ للمكذبين ) . .
وهي رحلة مع النشأة الجنينية طويلة عجيبة ، يجملها هنا في لمسات معدودة . ماء مهين . يودع في قرار الرحم المكين . إلى قدر معلوم وأجل مرسوم .
ثم قال ممتنا على خلقه ومحتجا على الإعادة بالبَدَاءة : { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ } ؟ أي : ضعيف حقير بالنسبة إلى قُدرَة البارئ عز وجل ، كما تقدم في سورة " يس " في حديث بُسْر بن جِحَاش : " ابنَ آدم ، أنَّى تُعجزُني وقد خلقتك من مثل هذه ؟ " {[29630]} .
تقرير أيضاً يجري فيه ما تقدم في قوله : { ألم نهلك الأولين ، جيء به على طريقة تعداد الخطاب في مقام التوبيخ والتقريع .
وكل من التقرير والتقريع من مقتضيات ترك العطف لشَبَهه بالتكرير في أنه تكرير معنى وإن لم يكن تكرير لفظ ، والتكرير شبيه بالأعداد المسرودة فكان حقه ترك العطف فيه .
وقد جاء هنا التقرير على ثبوت الإِيجاد بعد العدم إيجاداً متقناً دالاً على كمال الحكمة والقدرة ليفضَى بذلك التقرير إلى التوبيخ على إنكار البعث والإِعادة وإلى إثبات البعث بإمكانه بإعادة الخلق كما بُدىء أول مرة وكفى بذلك مرجحاً لوقوع هذا الممكن لأن القدرة تجري على وفق الإِرادة بترجيح جانب إيجاد الممكن على عدمه .
والماء : هو ماء الرجُل . والمَهين : الضعيف فعيل من مَهُنَ ، إذا ضعُف ، وميمه أصلية وليس هو من مادة هَان .
وهذا الوصف كناية رمزية عن عظيم قدرة الله تعالى إذ خلق من هذا الماء الضعيف إنساناً شديد القوة عقلاً وجسماً .
وحرف { مِن } للابتداء لأن تكوين الإِنسان نشأ من ذلك الماء ، كما تقول : هذه النخلة مِن نواة تَوْزَرِيَّة .
وجعل خلق الإِنسان من ماء الرجل لأنه لا يتم تخلقه إلاّ بذلك الماء إذا لاقى بويضات الدم في الرحم ، فاقتصرت الآية على ما هو مشهور بين الناس لأنهم لا يعلمون أكثر من ذلك ، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم تكوينَ الجنين من ماء المرأة وماء الرجل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
بيّن لهم بدء خلق أنفسهم لئلا يكذبوا بالبعث، وليعتبروا فقال: يا معشر المكذبين {ألم نخلقكم من ماء مهين} يقول: ماء ضعيف وهو النطفة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"أَلمْ نَخْلُقْكُمْ" أيها الناس "مِنْ ماءٍ مّهِينٍ" يعني من نطفة ضعيفة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
تقديم وتأخير، فجائز أن يكون ذكر هذا ليدفع عنهم الإشكال والريب الذي اعترض لهم في أمر البعث؛ لأن الأعجوبة في الإعادة ليست بأكثر من الأعجوبة في الإنشاء والابتداء، فذكر ابتداء خلقهم لينفي عنهم الريب في الإعادة.
وجائز أن يكون ذكر خلقهم من الماء المهين، وهو الماء المستعاف المستقذر ليدعوا تكبرهم وتجبرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقادوا، ويجيبوا إلى ما دعاهم إليه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
المهين: القليل الغناء، ومثله الحقير الذليل وفى خلق الإنسان على هذا الكمال من الحواس الصحيحة والعقل والتميز من ماء مهين أعظم الاعتبار، وأبين الحجة على ان له مدبرا وصانعا وخالقا خلقه وصنعه فمن جحده كان كالمكابر لما هو من دلائل العقول.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
«الماء المهين»: وهو المني من الرجل والمرأة.
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من تخويف الكفار، ووجه التخويف فيه من وجهين: (الأول) أنه تعالى ذكرهم عظيم إنعامه عليهم، وكلما كانت نعمة الله عليهم أكثر كانت جنايتهم في حقه أقبح وأفحش، وكلما كان كذلك كان العقاب أعظم، فلهذا قال عقيب ذكر هذا الإنعام: {ويل يومئذ للمكذبين}...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
من الجولة في المصارع والأشلاء، إلى جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، للصغير والكبير:
(ألم نخلقكم من ماء مهين؟ فجعلناه في قرار مكين؟ إلى قدر معلوم؟ فقدرنا فنعم القادرون. ويل يومئذ للمكذبين)..
وهي رحلة مع النشأة الجنينية طويلة عجيبة، يجملها هنا في لمسات معدودة. ماء مهين. يودع في قرار الرحم المكين. إلى قدر معلوم وأجل مرسوم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تقرير أيضاً يجري فيه ما تقدم في قوله: {ألم نهلك الأولين، جيء به على طريقة تعداد الخطاب في مقام التوبيخ والتقريع.
وكل من التقرير والتقريع من مقتضيات ترك العطف لشَبَهه بالتكرير في أنه تكرير معنى وإن لم يكن تكرير لفظ، والتكرير شبيه بالأعداد المسرودة فكان حقه ترك العطف فيه.
والماء: هو ماء الرجُل. وميمه أصلية وليس هو من مادة هَان.
وحرف {مِن} للابتداء لأن تكوين الإِنسان نشأ من ذلك الماء، كما تقول: هذه النخلة مِن نواة تَوْزَرِيَّة.
وجعل خلق الإِنسان من ماء الرجل لأنه لا يتم تخلقه إلاّ بذلك الماء إذا لاقى بويضات الدم في الرحم، فاقتصرت الآية على ما هو مشهور بين الناس لأنهم لا يعلمون أكثر من ذلك، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم تكوينَ الجنين من ماء المرأة وماء الرجل.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.