لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ} (20)

قوله جلّ ذكره : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ } .

أي : حقير . وإذ قد علمتم ذلك فلِمَ لم تقيسوا أمر البعث عليه ؟

ويقال : ذَكَّرَهم أصلَ خلقتم لئلا يُعْجَبوا بأحوالهم ؛ فإنه لا جِنْسَ من المخلوقين والمخلوقاتِ أشدَّ دعوى من بني آدم . فمن الواجب أَنْ يَتَفَكَّرَ الإنسان في أَصلِه . . . كان نطفةً وفي انتهائه يكون جيفة ، وفي وسائط حالِه كنيفٌ في قميص ! ! فبالحريِّ ألاَّ يُدِلَّ ولا يفتخر :

كيف يزهو مَنْ رجيعهُ *** أَبَدَ الدهرِ ضجيعُه

فهو منه وإليه *** وأَخوه ورضيعُه

وهو يدعوه إلى الحُ *** شِّ بصغر فيطيعه ؟ ! !

ويقال : يُذكِّرهم أصلَهم . . كيف كان كذلك . . . ومع ذلك فقد نقلهم إلى أحسن صورة ، قال تعالى :

{ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } ، والذي يفعل ذلك قادِرٌ على أن يُرقِّيَكَ من الأحوال الخسيسة إلى تلك المنازل الشريفة .