القول في تأويل قوله تعالى : { وَآتَيْنَاكَ بِالْحَقّ وَإِنّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ اللّيْلِ وَاتّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قالت الرسل للوط : وجئناك بالحقّ اليقين من عند الله ، وذلك الحقّ هو العذاب الذي عذّب الله به قوم لوط . وقد ذكرت خبرهم وقصصهم في سورة هود وغيرها حين بعث الله رسله ليعذّبهم به ، وقولهم : وإنّا لَصَادِقُونَ يقولون : إنا لصادقون فيما أخبرناك به يا لوط من أن الله مُهْلِك قومك . فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الليْلِ يقول تعالى ذكره مخبرا عن رسله أنهم قالوا للوط : فأسر بأهلك ببقية من الليل ، واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسري بهم وكن من ورائهم ، وسر خلفهم وهم أمامك ، ولا يلتفت منكم وراءه أحد ، وامضوا حيث يأمركم الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا يلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ لا يلتفت وراءه أحد ، ولا يَعَرّج .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلا يلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ : لا ينظر وراءه أحد .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَاتّبِعْ أدْبارَهُمْ قال : أُمر أن يكون خلف أهله ، يتبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الليْلِ قال : بعض الليل . وَاتّبِعْ أدْبارَهُمْ : أدبار أهله .
إعادة فعل { أتيناك } بعد واو العطف مع أن فعل { أتيناك } مرادف لفعل { جئناك } دون أن يقول : و { بالحق } ، يحتمل أن يكون للتأكيد اللفظي بالمرادف . والتعبيرُ في أحد الفعلين بمادة المجيء وفي الفعل الآخر بمادة الإتيان لمجرد التفنن لدفع تكرار الفعل الواحد ، كقوله تعالى في سورة الفرقان ( 33 ) : { ولا يأتونك بمَثَل إلا جئناك بالحق وأحسنَ تفسيراً } وعليه تكون الباء في قوله : بما كانوا فيه يمترون } وقوله : { بالحق } للملابسة .
ويحتمل أن تكون لِذكر الفعل الثاني وهو { وأتيناك } خصوصية لا تفي بها واو العطف وهي مراعاة اختلاف المجرورين بالباء في مناسبة كل منهما للفعل الذي تعلق هو به . فلما كان المتعلق بفعل { جئناك } أمراً حسياً وهو العذاب الذي كانوا فيه يمترون ، وكان مما يصح أن يسند إليه المجيء بمعنًى كالحقيقي ، إذ هو مجيء مجازي مشهور مساوٍ للحقيقي ، أوثر فعل { جئناك } ليسند إلى ضمير المخاطبين ويعلق به « ما كانوا فيه يمترون » . وتكون الباء المتعلقة به للتعدية لأنهم أجاءوا العذاب ، فموقع قوله تعالى : { بما كانوا فيه يمترون } مَوقع مفعول به ، كما تقول ( ذهبتُ به ) بمعنى أذهبتُه وإن كنتَ لم تذهب معه ، ألاَ ترى إلى قوله تعالى : { فإما نذهبنّ بك } [ سورة الزخرف : 41 ] أي نُذهبك من الدنيا ، أي نميتك .
فهذه الباء للتعدية وهي بمنزلة همزة التعدية .
وأما متعلق فعل { أتيناك } وهو { بالحق } فهو أمر معنوي لا يقع منه الإتيان فلا يتعلق بفعل الإتيان فغُيرت مادة المجي إلى مادة الإتيان تنبيهاً على إرادة معنى غير المراد بالفعل السابق ، أعني المجيء المجازي . فإن هذا الإتيان مسند إلى الملائكة بمعناه الحقيقي ، وكانوا في إتيانهم ملابسين للحق ، أي الصدق ، وليس الصدق مسنداً إليه الإتيانُ . فالباء في قوله تعالى : { بالحق } للملابسة لا للتعدية .
والقِطْع بكسر القاف وسكون الطاء الجزء الأخير من الليل . وتقدم عند قوله تعالى : { قطعاً من الليل مظلماً } في سورة يونس ( 27 ) .
وأمروه أن يجعل أهله قُدامه ويكون من خلفهم ، فهو يتبع أدبارهم ، أي ظهورهم ليكون كالحائل بينهم وبين العذاب الذي يحل بقومه بعقب خروجه تنويهاً ببركة الرسول عليه السلام ، ولأنهم أمروه أن لا يلتفت أحد من أهله إلى ديار قومهم لأن العذاب يكون قد نزل بديارهم . فبكونه وراء أهله يخافون الالتفات لأنه يراقبهم . وقد مضى تفصيل ذلك في سورة هود ، وأن امرأته التفتت فأصابها العذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.