{ وجعلت له مالاً ممدوداً } أي : كثيراً . قيل : هو ما يمد بالنماء كالزرع والضرع والتجارة . واختلفوا في مبلغه ، قال مجاهد وسعيد بن جبير : مائة ألف دينار . وقال قتادة : أربعة آلاف دينار . وقال سفيان الثوري : ألف ألف دينار . وقال ابن عباس : تسعة آلاف مثقال فضة . وقال مقاتل : كان له بستان بالطائف لا تنقطع ثماره شتاءً ولا صيفاً . وقال عطاء عن ابن عباس : كان له بين مكة والطائف إبل وخيل ونعم ، وكان له عير كثيرة وعبيد وجوار . وقيل : ( مالاً ممدودا )ً غلة شهر بشهر .
والخطاب للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد . خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده . فأنا سأتولى حربه . . وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المزلزل ؛ وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها . . قوة الجبار القهار . . لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل ! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها . فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه !
ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق ، وما آتاه الله من نعمه وآلائه ، قبل أن يذكر إعراضه وعناده . فهو قد خلقه وحيدا مجردا من كل شيء حتى من ثيابه ! ثم جعل له مالا كثيرا ممدودا . ورزقه بنين من حوله حاضرين شهودا ، فهو منهم في أنس وعزوة . ومهد له الحياة تمهيدا ويسرها له تيسيرا . . ( ثم يطمع أن أزيد ) . . فهو لا يقنع بما أوتي ، ولا يشكر ويكتفي . . أم لعله يطمع في أن ينزل عليه الوحي وأن يعطى كتابا كما سيجيء في آخر السورة : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) . . فقد كان ممن يحسدون الرسول[ صلى الله عليه وسلم ] على إعطائه النبوة .
وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا . اختلف أهل التأويل في هذا المال الذي ذكره الله ، وأخبر أنه جعله للوحيد ما هو ، وما مبلغه ؟ فقال بعضهم : كان ذلك دنانير ، ومبلغها ألف دينار . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن مجاهد : وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا قال : كان ماله ألف دينار .
حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، قال : حدثنا الحارث بن عمران الكوفيّ ، قال : حدثنا محمد بن سوقة ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله : وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا قال : ألف دينار .
وقال آخرون : كان ماله أربعة آلاف دينار . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا قال : بلغني أنه أربعة آلاف دينار .
وقال آخرون : كان ماله أرضا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، في قوله : وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا قال : الأرض .
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم مثله .
وقال آخرون : كان ذلك غلة شهر بشهر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا حلبس إمام مسجد ابن علية ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عمر رضي الله عنه ، في قوله : وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا قال : غلة شهر بشهر .
حدثني أبو حفص الحيري ، قال : حدثنا حلبس الضّبَعي ، عن ابن جريج ، عن عطاء مثله ، ولم يقل عن عمر .
حدثنا أحمد بن الوليد الرملي ، قال : حدثنا غالب بن حلبس ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن جريج ، عن عطاء مثله ، ولم يقل عن عمر .
حدثنا أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال : حدثنا حلبس بن محمد العجلي ، عن ابن جريج عن عطاء ، عن عمر مثله .
والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله : وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا وهو الكثير . الممدود عدده أو مساحته .
وعطف على ذلك { وجعلتُ له مالاً } عطفَ الخاص على العام .
والممدود : اسم مفعول من مَدَّ الذي بمعنى : أطال ، بأن شُبهت كثرة المال بسعة مساحة الجسم ، أو من مدّ الذي بمعنى : زَاد في الشْيءِ من مثله ، كما يقال : مَد الوادي النهرَ ، أي مالاً مزيداً في مقداره ما يكتسبه صاحبه من المكاسب . وكان الوليد من أوسع قريش ثراءً . وعن ابن عباس : كان مال الوليد بين مكة والطائف من الإِبل والغنم والعبيد والجواري والجِنان وكانت غلة ماله ألف دينار ( أي في السنة ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.