40 - فلا أقسم برب المشارق والمغارب من الأيام والكواكب ، إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتي بمن هم أطوع منهم لله ، وما نحن بعاجزين عن هذا التبديل{[225]} .
واستطرادا في تهوين أمرهم ، وتصغير شأنهم ، وتنكيس كبريائهم ، يقرر أن الله قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وأنهم لا يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم :
( فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ، على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين ) .
والأمر ليس في حاجة إلى قسم . ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب ، يوحي بعظمة الخالق . والمشارق والمغارب قد تعني مشارق النجوم الكثيرة ومغاربها في هذا الكون الفسيح . كما أنها قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع الأرض . وهي تتوالى في كل لحظة . ففي كل لحظة أثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس يطلع مشرق ويختفي مغرب . . .
وأيا كان مدلول المشارق والمغارب ، فهو يوحي إلى القلب بضخامة هذا الوجود ، وبعظمة الخالق لهذا الوجود . فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون إلى قسم برب المشارق والمغارب ، على أنه - سبحانه - قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وأنهم لا يسبقونه ولا يفوتونه ولا يهربون من مصيرهم المحتوم ? ! .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{على أن نبدل خيرا منهم} يعني على أن نأتي بخلق أمثل منهم، وأطوع لله منهم، وأرضى منهم، ثم قال {وما نحن بمسبوقين} يعني وما نحن بمعجزين إن أردنا ذلك.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول: إنا لقادرون على أن نهلكهم، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني.
"وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ": وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه، فيعجزنا هربا...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقوله تعالى: {إنا لقادرون} {على أن نبدل خيرا منهم} هذا موضع [جواب] القسم. فجائز أن يكون أريد به أن يبدل الخير منهم، فيجعل مكان الشر خيرا كقوله تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} [يونس: 99] وقد فعل ذلك لأنهم أسلموا. ويحتمل أن يكون أراد به {أن نبدل خيرا منهم} ثم هذا يخرج على وجوه: أحدهما: على تحقيق القدرة.
والثاني: أن يكون معنى القدرة إرادة الفعل.
أحدهما: على معنى تخويف أهل مكة، لأنهم إن لم ينتهوا عن ذلك ينزل الله تعالى مكانهم من هو خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والبدل لا يكون إلا بعد المبدل منه، وقد فعل الله تعالى ذلك بهم [إذ] أهلك المعاندين منهم، وأبدل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولادهم والمهاجرين منهم والأنصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره.
والثاني: أنا كنا قادرين على أن نجعل المرسل إليهم خيرا، إذ قد علموا من قدرة الله عز وجل، أنه، هو الذي خلقهم، وأنشأهم. لكن إنما أرسل إليهم، وأمرهم لحاجات أنفسهم لا لنفع يرجع إليه، ليس على ما عليه ملوك الدنيا، لكنه إنما امتحنهم بالأمر ليسعوا في نجاة أنفسهم، ونهاهم ليكفوا رقابهم عن النار، فيكون فيه تسكين قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند وجده عليهم حين لم يؤمنوا. وأما الوجه الثالث فأن يكون معنى القدرة إرادة الفعل خاصة، إذ يكنى بالقدرة عن الفعل، إذ هي سبب الفعل كالأمر المعتاد بين الخلق، يأمر رجل آخر بفعل، فيقول: لا أستطيع، ولا أقدر، أي لا أفعل. وعلى هذا تأويل قوله عز وجل. {إنا لقادرون} أي لفاعلون ما هو خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدلا من هؤلاء. فإن كان على هذا فيكون فيه بشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجعل له أصحابا يرضاهم، ويكون فيه إخبار الله عز وجل له بالنصر والغلبة على المكذبين منهم، ويكون فيه إنباء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا ينفذ فيه مكرهم، وإن اجتهدوا، ويكون فيه إعلام أنه ينتقم منهم له، ويعذبهم. وقد فعل ذلك كله بحمد الله عز وجل والله المستعان حين بدّل على أهل مكة أهل المدينة، وكانوا خيرا منهم لأن أهل مكة كانوا عليه، وأهل المدينة كانوا له، فكانوا هم خير الله.
وقوله تعالى: {وما نحن بمسبوقين} والمسبوق المغلوب، فكأنه قال: لا يسبقنا أحد، ولا يعجزنا أحد عن ذلك، ولا يفوتنا ما نريده.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وأقسم الله تعالى في هذه الآية بمخلوقاته على إيجاب قدرته على أن يبدل خيراً من ذلك العالم، وأنه لا يسبقه شيء إلى إرادته.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{على أن نبدل} أي تبديلاً عظيماً بما لنا من الجلالة عوضاً عنهم {خيراً منهم} أي بالخلق أو تحويل الوصف فيكونوا؛ أشد بسطة في الدنيا وأكثر أموالاً وأولاداً وأعلى قدراً وأكثر حشماً و وجاهة وحزماً وخدماً، فيكونوا عندك خلقاً على قلب واحد في سماع قولك وتوقيرك وتعظيمك والسعي في كل ما يشرح صدرك بدل ما يعمل هؤلاء من الهزء والتصفيق والصفير وكل ما يضيق به صدرك، وقد فعل ذلك سبحانه بالمهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان بالسعة في الرزق بأخذ أموال الجبارين من كسرى وقيصر، والتمكن في الأرض حتى كانوا ملوك الدنيا مع العمل بما يوجب لهم ملك الآخرة، فرجوا الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلوا في مرضاته الأنفس والأموال. ولما كان الإنسان قد يفعل شيئاً ثم ينقض عليه، أخبر أنه سبحانه على غير ذلك فقال: {وما} وأكد الأمر بالأسمية الكائنة في مظهر العظمة فقال: {نحن} وأعرق في النفي فقال: {بمسبوقين} أي من سابق ما يغلب على شيء لم نرده بوجه من الوجوه، ولذلك أتى باسم المفعول.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 40]
واستطرادا في تهوين أمرهم، وتصغير شأنهم، وتنكيس كبريائهم، يقرر أن الله قادر على أن يخلق خيرا منهم، وأنهم لا يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون، على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين). والأمر ليس في حاجة إلى قسم. ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب، يوحي بعظمة الخالق. والمشارق والمغارب قد تعني مشارق النجوم الكثيرة ومغاربها في هذا الكون الفسيح. كما أنها قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع الأرض. وهي تتوالى في كل لحظة. ففي كل لحظة أثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس يطلع مشرق ويختفي مغرب... وأيا كان مدلول المشارق والمغارب، فهو يوحي إلى القلب بضخامة هذا الوجود، وبعظمة الخالق لهذا الوجود. فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون إلى قسم برب المشارق والمغارب، على أنه -سبحانه- قادر على أن يخلق خيرا منهم، وأنهم لا يسبقونه ولا يفوتونه ولا يهربون من مصيرهم المحتوم؟!.