ثم تجيء الآيات الأربع الخاصة بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في شأن الوحي وتلقي هذا القرآن :
( لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه ) . .
وبالإضافة إلى ما قلناه في مقدمة السورة عن هذه الآيات ، فإن الإيحاء الذي تتركه في النفس هو تكفل الله المطلق بشأن هذا القرآن : وحيا وحفظا وجمعا وبيانا ؛ وإسناده إليه سبحانه وتعالى بكليته . ليس للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من أمره إلا حمله وتبليغه . ثم لهفة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وشدة حرصه على استيعاب ما يوحى إليه ؛ وأخذه مأخذ الجد الخالص ، وخشيته أن ينسى منه عبارة أو كلمة ، مما كان يدعوه إلى متابعة جبريل عليه السلام في التلاوة آية آية وكلمة كلمة يستوثق منها أن شيئا لم يفته ، ويتثبت من حفظه له فيما بعد !
وتسجيل هذا الحادث في القرآن المتلو له قيمته في تعميق هذه الإيحاءات التي ذكرناها هنا وفي مقدمة السورة بهذا الخصوص .
وقوله : { فإذا قرأناه } ، أي إذا قَرأه جبريل عنا ، فأُسْنِدَتْ القراءةُ إلى ضمير الجلالة على طريقة المجاز العقلي ، والقرينة واضحة .
ومعنى { فاتَّبع قرآنه } ، أي أنْصِتْ إلى قِرَاءتِنَا .
فضمير { قَرأناه } راجع إلى ما رجع إليه ضمير الغائب في { لا تُحرك به } وهو القرآن بالمعنى الأسمي ، فيكون وقوع هذه الآية في هذه السورة مثل وقوع { ومَا نتنزّل إلاّ بأمر ربك } في سورة مريم ( 64 ) ، ووقوع { حافظوا على الصلوات والصلاةِ الوسطى في أثناء أحكام الزوجات } في سورة البقرة ( 238 ) . قالوا : نزلت هذه الآية في أثناء سورة القيامة : هذا ما لا خلاف فيه بين أهل الحديث وأيمة التفسير . وذكر الفخر عن القفال أنه قال : إن قوله : لا تُحرك به لسانك } ليس خطاباً مع الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو خطاب مع الإِنسان المذكور في قوله : { ينبَّأ الإِنسان } [ القيامة : 13 ] فكان ذلك للإِنسان حا لَما يُنَبَّأُ بقبائح أفعاله فيقال له : اقرأ كتابك ، فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه فيقال له : لا تحرك به لسانك لتعجل به فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك وأن نقرأها عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإِقرار ، ثمّ إن علينا بيان مراتب عقوبته ، قال القفال : فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة به اه .
وأقول : إن كان العقل لا يدفعه فإن الأسلوب العربي ومعاني الألفاظ تنبو عنه .
والذي يلوح لي في موقع هذه الآية هنا دون أن تقع فيما سبق نزوله من السور قبل هذه السورة : أن سور القرآن حين كانت قليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخشى تفلّت بعض الآيات عنه فلما كثرت السور فبلغت زهاء ثلاثين حسب ما عَده سعيد بن جبير في ترتيب نزول السور ، صار النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن ينسى بعض آياتها ، فلعله صلى الله عليه وسلم أخذ يحرك لسانه بألفاظ القرآن عند نزوله احتياطاً لحفظه وذلك من حرصه على تبليغ ما أنزل إليه بنصه ، فلما تكفل الله بحفظه أمره أن لا يكلف نفسه تحريك لسانه ، فالنهي عن تحريك لسانه نهي رحمة وشفقة لمَا كان يلاقيه في ذلك من الشدة .
و ( قرآن ) في الموضعين مصدر بمعنى القراءة مثل الغُفران والفُرقان ، قال حسان في رثاء عثمان بن عفان :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.