البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ} (18)

{ فإذا قرأناه } عليك ، { فاتبع قرآنه } بأنك فعلت تلك الأفعال .

{ فإذا قرأناه } : أي الملك المبلغ عنا ، { فاتبع } : أي بذهنك وفكرك ، أي فاستمع قراءته ، قاله ابن عباس .

وقال أيضاً هو قتادة والضحاك : فاتبع في الأوامر والنواهي .

وفي كتاب ابن عطية ، وقرأ أبو العالية : فإذا قرته فاتبع قرته ، بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف في الثلاثة ، ولم يتكلم على توجيه هذه القراءة الشاذة ، ووجه اللفظ الأول أنه مصدر ، أي إن علينا جمعه وقراءته ، فنقل حركة الهمزة إلى الراء الساكنة وحذفها فبقي قرته كما ترى .

وأمّا الثاني فإنه فعل ماض أصله فإذا قرأته ، أي أردت قراءته ؛ فسكن الهمزة فصار قرأته ، ثم حذف الألف على جهة الشذوذ ، كما حذفت في قول العرب : ولو تر ما الصبيان ، يريدون : ولو ترى ما الصبيان ، وما زائدة .

وأمّا اللفظ الثالث فتوجيهه توجيه اللفظ الأول ، أي فإذا قرأته ، أي أردت قراءته ، فاتبع قراءته بالدرس أو بالعمل .

{ فإذا قرأناه } ، قال ابن عباس : أنزلناه إليك ، فاستمع قراءته ، وعنه أيضاً : فإذا يتلى عليك فاتبع ما فيه .

وقال قتادة : فاتبع حلاله واجتنب حرامه .

وقد نمق الزمخشري بحسن إيراده تفسير هذه الآية فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقن الوحي ، نازع جبريل القراءة ولم يصبر إلى أن يتمها مسارعة إلى الحفظ وخوفاً من أن يتفلت منه ، فأمر بأن يستنصت له ملقياً إليه بقلبه وسمعه حتى يقضي إليه وحيه ، ثم يعقبه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه .

والمعنى : لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ .

{ لتعجل به } : لتأخذه على عجلة ولئلا يتفلت منك ، ثم علل النهي عن العجلة بقوله : { إن علينا جمعه } في صدرك وإثبات قراءته في لسانك .

{ فإذا قرأناه } : جعل قراءة جبريل قراءته ، والقرآن القراءة ، فاتبع قراءته : فكن مقفياً له فيه ولا تراسله ، وطامن نفسك أنه لا يبقى غير محفوظ ، فنحن في ضمان تحفيظه .