{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا } أي : يغشى الناس ظلامه وسواده ، كما قال : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } [ الشمس : 4 ] وقال الشاعر{[29643]} :
فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ ، أو حِينَ نَصَّبتْ *** له مِن خَذا آذانِها وَهْوَ جَانِحُ
وقال قتادة في قوله : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا } أي : سكنًا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني سكنا... فألبسكم ظلمته على خير وشر كثير...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَجَعَلْنا اللّيْلَ لِباسا" يقول تعالى ذكره: وجعلنا الليل لكم غِشاء يتغشاكم سواده، وتغطيكم ظلمته، كما يغطي الثوبُ لابسَه، لتسكنوا فيه عن التصرّف لما كنتم تتصرّفون له نهارا.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
يستركم عن العيون إذا أردتم هرباً من عدوّ، أو بياتاً له، أو إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور...
وأيضا فكما أن الإنسان بسبب اللباس يزداد جماله وتتكامل قوته ويندفع عنه أذى الحر والبرد، فكذا لباس الليل بسبب ما يحصل فيه من النوم يزيد في جمال الإنسان، وفي طراوة أعضائه وفي تكامل قواه الحسية والحركية، ويندفع عنه أذى التعب الجسماني، وأذى الأفكار الموحشة النفسانية، فإن المريض إذا نام بالليل وجد الخفة العظيمة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
من إتمام الاستدلال الذي قبله وما فيه من المنة لأن كون الليل لباساً حالة مهيئة لتكيف النوم ومُعينة على هنائه والانتفاع به لأن الليل ظلمة عارضة في الجو من مزايلة ضوء الشمس عن جزء من كرة الأرض وبتلك الظلمة تحتجب المرئيات عن الأبصار فيعسر المشي والعمل والشغل وينحط النشاط فتتهيأ الأعصاب للخمول ثم يغشاها النوم فيحصل السبات بهذه المقدمات العجيبة، فلا جرم كان نظام الليل آية على انفراد الله تعالى بالخلق وبديع تقديره.
وكان دليلاً على أن إعادة الأجسام بعد الفناء غير متعذرة عليه تعالى، فلو تأمل المنكرون فيها لعلموا أن الله قادر على البعث فَلَمَا كذبوا خَبَر الرسول صلى الله عليه وسلم به، وفي ذلك امتنان عليهم بهذا النظام الذي فيه اللطف بهم وراحة حياتهم لو قدَروه حق قدره لشكروا وما أشركوا، فكان تذكر حالة الليل سريع الخطور بالأذهان عند ذكر حالة النوم فكان ذكر النوم مناسبة للانتقال إلى الاستدلال بحالة الليل على حسب أفهام السامعين.
والمعنيّ من جعل الليل لباساً يحوم حول وصف حالة خاصة بالليل عبر عنها باللباس.
فيجوز أن يكون اللباس محمولاً على معنى الاسم وهو المشهور في إطلاقه، أي ما يلبسه الإِنسان من الثياب فيكون وصف الليل به على تقدير كاف التشبيه على طريقة التشبيه البليغ، أي جعلنا الليل للإِنسان كاللباس له، فيجوز أن يكون وجه الشبه هو التغشية. وتحته ثلاثة معانٍ:
أحدها: أن الليل ساتر للإِنسان كما يستره اللباس، فالإِنسان في الليل يختلي بشؤونه التي لا يرتكبها في النهار لأنه لا يحب أن تراها الأبصار...
المعنى الثاني: من معنيي وجه الشبه باللباس: أنه المشابهة في الرفق باللاَّبس والملاءمة لراحته، فلما كان الليل راحة للإِنسان وكان محيطاً بجميع حواسه وأعصابه شُبه باللباس في ذلك. ونُسب مُجمل هذا المعنى إلى سعيد بن جبير والسُّدي وقتادة إذ فسروا {سباتاً} [النبأ: 9] سكَناً.
المعنى الثالث: أن وجه شبه باللباس هو الوقاية، فاللَّيل يقي الإِنسان من الأخطار والاعتداء عليه، فكان العرب لا يغير بعضهم على بعض في الليل وإنما تقع الغارة صباحاً ولذلك إذا غِير عليهم يصرخ الرجل بقومه بقوله: يا صَبَاحَاه. ويقال: صَبَّحَهم العَدوُّ. وكانوا إذا أقاموا حرساً على الرُّبى نَاظُورَةَ على ما عسى أن يطرقهم من الأعداء يقيمونه نهاراً فإذا أظلم الليل نزل الحَرس.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.