مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا} (10)

وخامسها قوله تعالى : { وجعلنا الليل لباسا } قال القفال : أصل اللباس هو الشيء الذي يلبسه الإنسان ويتغطى به ، فيكون ذلك مغطيا له ، فلما كان الليل يغشى الناس بظلمته فيغطيهم جعل لباسا لهم ، وهذا السبت سمي الليل لباسا على وجه المجاز ، والمراد كون الليل ساترا لهم . وأما وجه النعمة في ذلك ، فهو أن ظلمة الليل تستر الإنسان عن العيون إذا أراد هربا من عدو ، أو بياتا له ، أو إخفاء مالا يحب الإنسان إطلاع غيره عليه ، قال المتنبي :

وكم لظلام الليل عندي من يد *** تخبر أن المانوية تكذب

وأيضا فكما أن الإنسان بسبب اللباس يزداد جماله وتتكامل قوته ويندفع عنه أذى الحر والبرد ، فكذا لباس الليل بسبب ما يحصل فيه من النوم يزيد في جمال الإنسان ، وفي طراوة أعضائه وفي تكامل قواه الحسية والحركية ، ويندفع عنه أذى التعب الجسماني ، وأذى الأفكار الموحشة النفسانية ، فإن المريض إذا نام بالليل وجد الخفة العظيمة .