يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى ، عليه السلام ، في ذلك الموقف العظيم ، الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل ، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه ، { فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ } أي : تأكل { مَا يَأْفِكُونَ } أي : ما يلقونه ويوهمون أنه حق ، وهو باطل .
قال ابن عباس : فجعلت لا تَمُرّ بشيء{[12013]} من حبالهم ولا من خُشُبهم{[12014]} إلا التقمته ، فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء ، وليس هذا بسحر ، فخروا سجدا .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَوَقَعَ الْحَقّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : فظهر الحقّ وتبين لمن شهده وحضره في أمر موسى ، وأنه لله رسول يدعو إلى الحقّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من إفك السحر وكذبه ومخايله .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَوَقَعَ الحَقّ قال : ظهر .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن أبيه ، عن مجاهد في قوله : فَوَقَعَ الحَقّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال : ظهر الحقّ وذهب الإفك الذي كانوا يعملون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : فَوَقَعَ الحَقّ قال : ظهر الحقّ .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَوَقَعَ الحَقّ ظهر موسى .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فوقع الحق}، يعني فظهر الحق بأنه ليس بسحر، {وبطل ما كانوا يعملون}، يعني بطل ما كانوا يعملون من السحر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فظهر الحقّ وتبين لمن شهده وحضره في أمر موسى، وأنه لله رسول يدعو إلى الحقّ. "وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ "من إفك السحر وكذبه ومخايله.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والحق: كون الشيء في موضعه الذي اقتضته الحكمة. والحق موافق لداعي الحكمة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و {الحق} يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز. و {ما كانوا يعلمون} لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته.
.. فإن قيل: قوله: {فوقع الحق} يدل على قوة هذا الظهور، فكان قوله: {وبطل ما كانوا يعملون} تكريرا من غير فائدة! قلنا: المراد أن مع ثبوت هذا الحق زالت الأعيان التي أفكوها وهي تلك الحبال والعصي، فعند ذلك ظهرت الغلبة، فلهذا قال تعالى: {فغلبوا هنالك}؛ لأنه لا غلبة أظهر من ذلك {وانقلبوا صاغرين} لأنه لا ذل ولا صغار أعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله وحجته، على وجه لا يمكن فيه حيلة ولا شبهة أصلا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما علم أن ما صنعوه إنما هم خيال، وما صنعه موسى عليه السلام أثبت من الجبال، سبب معقباً قوله: {فوقع الحق} أي الذي لا شيء أثبت منه، فالواقع يطابقه لأن باطن الأمر مطابق لما ظهر منه من ابتلاعها لأمتعتهم فالإخبار عنه صدق، وفيه تنبيه على أن فعلهم إنما هو خيال بالنسبة إلى ظاهر الأمر، وأما في الباطن والواقع فلا حقيقة له، فالإخبار عن تحرك ما ألقوه كذب. ولما أخبر عن ثبات الحق، أتبعه زوال الباطل فقال: {وبطل} بحيث عدم أصلاً ورأساً {ما كانوا يعملون} فدل بكان والمضارع على أنهم -مع بطلان ما عملوا- نسوا علمهم بحيث إنه أسند عليهم باب العمل بعد أن كان لهم به ملكة كملكة ما هو كالجبلة -والله أعلم
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإذا الحق راجح الوزن، ثابت القواعد، عميق الجذور.. والتعبير القرآني هنا يلقي هذه الظلال، وهو يصور الحق واقعاً ذا ثقل: (فوقع الحق).. وثبت، واستقر.. وذهب ما عداه فلم يعد له وجود: (وبطل ما كانوا يعملون).
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والحق هنا أريد به صدق موسى وصحة معجزته وكون ما فعلته العصا هو من صنع الله تعالى وأثَرِ قدرته. وزيادة قوله: {وبطل ما كانوا يعملون} بعد قوله: {فوقع الحق} تقرير لمضمون جملة {فوقع الحق} لتسجيل ذم عملهم، ونداءٌ بخيبتهم، تأنيساً للمسلمين وتهديداً للمشركين، وللكافرين أمثالها.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لأنّ عمل موسى كان عملا واقعياً، وكانت أعمالهم حفنة من الحيل ومن أعمال الشعبذة، ولا شك أنّه لا يستطيع أي باطل أن يقاوم الحق دائماً. وهذه هي أوّل ضربة توجهت إلى أساس السلطان الفرعوني الجبّار.