وقوله : { فالمُغِيرَاتِ صُبْحا } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : { فالمغيرات صبحا } على عدوّها علانية . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البَجَليّ ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : سألني رجل عن المغيرات صبحا ، فقال : الخيل تغير في سبيل الله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، قال : سألت عكرِمة ، عن قوله { فالمُغِيرَاتِ صُبْحا } قال : أغارت على العدوّ صبحا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فالمُغَيرَاتِ صُبْحا } قال : هي الخيل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { فالمُغيرَاتِ صُبْحا } قال : هي الخيل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { فالمُغِيرَاتِ صُبْحا } قال : أغار القومُ بعدما أصبحوا على عدوّهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فالمُغِيرَاتِ صُبْحا } قال : أغارت حين أصبحت .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة { فالمُغِيرَاتِ صُبْحا } قال : أغار القوم حين أصبحوا .
وقال آخرون : عُنِي بذلك الإبل حين تدفع بركبانها من «جَمْعٍ » يوم النحر إلى «مِنَى » . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مُغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله { فالمُغِيرَاتِ صُبْحا } حين يفيضون من جَمْع .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالمُغيرات صبحا ، ولم يخصصْ من ذلك مغيرة دون مغيرة ، فكلّ مغيرة صُبحا فداخلة فيما أقسم به ، وقد كان زيد بن أسلم يذكر تفسير هذه الأحرف ويأباها ، ويقول : إنما هو قسم أقسم الله به .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَالْعادِياتِ ضَبْحا فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : هذا قسم أقسم الله به . وفي قوله : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا } قال : كلّ هذا قسم ، قال : ولم يكن أبي ينظر فيه إذا سُئل عنه ، ولا يذكره ، يريد به القسم .
والمغيرات : اسم فاعل من أغار ، والإِغارة تطلق على غزو الجيش داراً وهو أشهر إطلاقها فإسناد الإِغارة إلى ضمير { العاديات } مجاز عقلي فإن المغيرين راكبوها ولكن الخيل أو إبل الغزو أسباب للإِغارة ووسائل .
وتطلق الإِغارة على الاندفاع في السير .
و{ صبحاً } ظرف زمان فإذا فسر « المغيرات » بخيل الغزاة فتقييد ذلك بوقت الصبح لأنهم كانوا إذا غزوا لا يغيرون على القوم إلا بعد الفجر ولذلك كان مُنذر الحَيِّ إذا أنذر قومه بمجيء العدوّ نادى : يا صَبَاحاه ، قال تعالى : { فإذا نَزَل بساحتهم فساء صباح المنذرين } [ الصافات : 177 ] .
وإذا فسر « المغيرات » بالإِبل المسرعات في السير ، فالمراد : دفعها من مزدلفة إلى منى صباحَ يوم النحر وكانوا يدفعون بكرة عندما تُشرق الشمس على ثبير ومن أقوالهم في ذلك : « أشْرِق ثَبير كيما نغير » .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
وذلك أن الخيل صبحت العدو بغارة ، يقول : أغارت عليهم صبحا . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : { فالمُغِيرَاتِ صُبْحا } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ؛
فقال بعضهم : معنى ذلك : { فالمغيرات صبحا } على عدوّها علانية ... عن ابن عباس ، قال : سألني رجل عن المغيرات صبحا ، فقال : الخيل تغير في سبيل الله ...
وقال آخرون : عُنِي بذلك الإبل حين تدفع بركبانها من «جَمْعٍ » يوم النحر إلى «مِنَى » ...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالمُغيرات صبحا ، ولم يخصصْ من ذلك مغيرة دون مغيرة ، فكلّ مغيرة صُبحا فداخلة فيما أقسم به ، وقد كان زيد بن أسلم يذكر تفسير هذه الأحرف ويأباها ، ويقول : إنما هو قسم أقسم الله به .
وكانوا يغيرون صباحا لأنهم في الليل يكونون في الظلمة فلا يبصرون شيئا ، وأما النهار فالناس يكونون فيه كالمستعدين للمدافعة والمحاربة ، أما هذا الوقت فالناس يكونون فيه في الغفلة وعدم الاستعداد ... ومعنى الإغارة في اللغة الإسراع ، . ...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وفي هذا دليل على أن هذه الأوصاف لذات واحدة ، لعطفها بالفاء التي تقتضي التعقيب . والظاهر أنها الخيل التي يجاهد عليها العدو من الكفار ، ولا يستدل على أنها الإبل بوقعة بدر ، وإن لم يكن فيها إلا فرسان ، لأنه لم يذكر أن سبب نزول هذه السورة هو وقعة بدر ، ثم بعد ذلك لا يكاد يوجد أن الإبل جوهد عليها في سبيل الله ، بل المعلوم أنه لا يجاهد في سبيل الله تعالى إلا على الخيل في شرق البلاد وغربها . ...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يعني : الإغارة وقت الصباح ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحًا ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فالمغيرات } أي بإغارة أهلها عليها على العدو ، والإغارة الركض الشديد لإرادة القتل والنهب . ولما كانت الإغارة الكائن عنها الثبور والويل أروع ما تكون في أعقاب الليل قال : { صبحاً } أي ذات دخول في الصباح . ...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
يعدون ليلاً لئلا يشعر بهم العدو ويهجمون صباحاً ليروا ما يأتون وما يذرون وكانوا يتحمسون بذلك ...