1 - أقسم بالآيات المرسلة على لسان جبريل إلى محمد للعرف والخير ، فالآيات القاهرات لسائر الأديان الباطلة تنسفها نسفاً ، وبالآيات الناشرات للحكمة والهداية في قلوب العالمين نشراً عظيماً ، فالفارقات بين الحق والباطل فرقاً واضحاً ، فالملقيات على الناس تذكرة تنفعهم - إعذاراً لهم وإنذاراً - فلا تكون لهم حُجة : إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة لنازل لا ريب فيه .
للمفسرين فى معنى هذه الصفات الخمس : " المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات " اتجاهات ، فمنهم من صدر تفسيره ببيان أن المراد بها الملائكة . فقد قال صاحب الكشاف : أقسم الله بطوائف من الملائكة ، أرسلهن بأوامره فعصفن فى مضيهن كما تعصف الرياح ، تخففا فى امتثال أمره . وبطوائف منهن نشرن أجنحتهن فى الجو عند انحطاطهن بالوحى ، أو نشرن الشرائع فى الأرض . . ففرقن بين الحق والباطل ، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عذرا ، للمحقين ، أو نذرا للمبطلين .
فإن قلت : ما معنى عرفا ؟ قلت : متتابعة كشعر العُرْفِ - أى : عرف الفرس - يقال : جاءوا عرفا واحدا ، وهم عليه كعرف الضبع : إذا تألبوا عليه . .
ومنهم من يرى أن المراد بالمرسلات وما بعدها : الرياح ، فقد قال الجمل فى حاشيته : أقسم الله - تعالى - بصفات خمس موصوفها محذوف ، فجعلها بعضهم الرياح فى الكل ، وجعلها بعضهم الملائكة فى الكل . . وغاير بعضهم فجعل الصفات الثلاث الأول ، الموصوف واحد هو الرياح وجعل الرابعة لموصوف ثان وهو الآيات ، وجعل الخامسة لموصوف ثالث وهو الملائكة . .
وسنسير نحن على هذا الرأى الثالث ، لأنه هو تصورنا أقرب الآباء إلى الصواب ، إذ أن هذه الصفات من المناسب أن يكون بعضها للرياح ، وبعهضا للملائكة .
فيكون المعنى : وحق الرياح المرسلات لعذاب المكذبين ، فتعصفهم عصفا ، وتهلكهم إهلاكا شديدا ، فقوله : { عَصْفاً } وصف مؤكد للإِهلاك الشديد ، يقال : عصفت الريح ، إذا اشتدت ، وعصفت الحرب بالقوم ، إذا ذهبت بهم ، وناقة عصوف ، إذا مضت براكبها مسرعة ، حتى لكأنها الريح .
ويكون الصنف الآخر من الرياح في قوله { فالعاصفات عصفاً } ويحتمل أن يكون بمعنى { والمرسلات } الرياح التي يعرفها الناس ويعهدونها ، ثم عقب بذكر الصنف المستنكر الضار وهي { العاصفات } ، ويحتمل أن يريد بالعرف مع الرياح التتابع كعرف الفرس ونحوه ، وتقول العرب هب عرف من ريح ، والقول في العرف مع أن { المرسلات } هي الرياح يطرد على أن { المرسلات } السحاب ، وقرأ عيسى «عُرفاً » بضم الراء ، و { العاصفات } من الريح الشديدة العاصفة للشجر وغيره .
{ فالعاصفات } تفريع على { المرسلات } ، أي ترسل فتعصف ، والعصف يطلق على قوة هبوب الريح فإن أريد بالمرسلات وصف الرياح فالعصف حقيقة ، وإن أريد بالمرسلات وصفُ الملائكة فالعصف تشبيه لنزولهم في السرعة بشدة الريح وذلك في المبادرة في سرعة الوصول بتنفيذ ما أمروا به .
و { عَصْفاً } مؤكد للوصف تأكيداً لتحقيق الوصف ، إذ لا داعي لإِرادة رفع احتمال المجاز .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فالرياح العاصفات عصفا، يعني الشديدات الهبوب السريعات الممرّ.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هي الرياح الشديدة التي تكسر الأشياء، وتقصمها، وهي التي ترسل للإهلاك كقوله تعالى: {فيرسل عليكم قاصفا من الريح} [الإسراء: 69
وإن صرف الكل إلى الملائكة فيحتمل أيضا؛ فقوله عز وجل: {والمرسلات عرفا} أي الملائكة الذين أرسلوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقوله عز وجل: {فالعاصفات عصفا} أي الملائكة الذين يعصفون أرواح الكفار، أي يأخذونها على شدة وغضب.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{فالعاصِفاتِ عَصْفاً}:... الآيات المهلكة كالزلازل والخسوف.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان العصوف للعواصف يتعقب الهبوب، عطف بالفاء تعقيباً وتسبيباً، فقال: {فالعاصفات} أي الشديدات من الرياح عقب هبوبها، ومن الملائكة عقب شقها للهواء بما لها من كبر الأجسام والقوة على الإسراع التام.
{عصفاً} أي عظيماً بما لها من النتائج الصالحة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{فالعاصفات} تفريع على {المرسلات}، أي ترسل فتعصف، والعصف يطلق على قوة هبوب الريح؛ فإن أريد بالمرسلات وصف الرياح فالعصف حقيقة، وإن أريد بالمرسلات وصفُ الملائكة فالعصف تشبيه لنزولهم في السرعة بشدة الريح وذلك في المبادرة في سرعة الوصول بتنفيذ ما أمروا به.
{عَصْفاً} مؤكد للوصف تأكيداً لتحقيق الوصف، إذ لا داعي لإِرادة رفع احتمال المجاز.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.