وقوله تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } يعني : وإن عليكم لملائكةً حَفَظَة كراما فلا تقابلوهم بالقبائح ، فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطُّنَافِسِيّ ، حدثنا وَكيع ، حدثنا سفيان ومِسْعَر ، عن علقمة بن مَرْثَد ، عن مجاهد قال : : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين : الجنابة والغائط . فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بحرم حائط أو ببعيره ، أو ليستره أخوه " .
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، فوصله بلفظ آخر ، فقال : حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن حفص بن سليمان ، عن علقمة بن مرثد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ينهاكم عن التعرِّي ، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم ، الكرام الكاتبين ، الذين لا يُفَارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات : الغائط ، والجنابة ، والغسل . فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه ، أو بحرم حائط ، أو ببعيره " .
ثم قال : حفص بن سليمان لين الحديث ، وقد روي عنه ، واحتمل حديثه{[29818]} .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا زياد بن أيوب ، حدثنا مُبَشّر بن إسماعيل الحلبي ، حدثنا تمام ابن نَجِيح ، عن الحسن - يعني البصري - عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من حافظين يرفعان إلى الله ، عز وجل ، ما حفظا في يوم ، فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفار إلا قال الله تعالى : قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة " .
ثم قال : تفرد به تمام بن نجيح ، وهو صالح الحديث{[29819]} .
قلت : وثقه ابن معين وضعفه البخاري ، وأبو زُرْعة ، وابن أبي حاتم والنسائي ، وابن عدي . ورماه ابن حبان بالوضع . وقال الإمام أحمد : لا أعرف حقيقة أمره .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقُلُوسِي{[29820]} حدثنا بيان بن حمران{[29821]} حدثنا سلام ، عن منصور بن زاذان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله ملائكة{[29822]} يعرفون بني آدم - وأحسبه قال : ويعرفون أعمالهم - فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسَمَّوه ، وقالوا : أفلح الليلة فلان ، نجا الليلة فلان . وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله وذكروه بينهم وسموه ، وقالوا : هلك الليلة فلان " .
ثم قال البزار : سلام هذا ، أحسبه سلام المدائني ، وهو لين الحديث{[29823]} .
عطف على جملة { تكذبون بالدين } [ الانفطار : 9 ] تأكيداً لثبوت الجزاء على الأعمال .
وأكد الكلام بحرف { إنَّ } ولام الابتداء ، لأنهم ينكرون ذلك إنكاراً قويّاً .
و { لحافظين } صفة لمحذوف تقديره : لملائكة حافظين ، أي مُحْصين غير مضيعين لشيء من أعمالكم .
وجمع الملائكة باعتبار التوزيع على الناس : وإنما لكل أحد ملكان قال تعالى : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ ق : 17 ، 18 ] ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن لكل أحد ملكين يحفظان أعماله » وهذا بصريح معناه يفيد أيضاً كفاية عن وقوع الجزاء إذ لولا الجزاء على الأعمال لكان الاعتناء بإحصائها عبثاً .
وأجري على الملائكة الموكّلين بإحصاء أعمالهم أربعةُ أوصاف هي : الحفظ ، والكرم ، والكتابة ، والعلم بما يعلمه الناس .
وابتدىء منها بوصف الحفظ لأنه الغرض الذي سبق لأجله الكلام الذي هو إثبات الجزاء على جميع الأعمال ، ثم ذكرت بعده صفات ثلاث بها كمال الحفظ والإِحصاء وفيها تنويهٌ بشأن الملائكة الحافظين .
فأما الحفظ : فهو هنا بمعنى الرعاية والمراقبة ، وهو بهذا المعنى يتعدى إلى المعمول بحرف الجر ، وهو ( على ) لتضمنه معنى المراقبة . والحفيظ : الرقيب ، قال تعالى : { اللَّه حفيظ عليهم } [ الشورى : 6 ] .
وهذا الاستعمال هو غير استعمال الحفظ المعدّى إلى المفعول بنفسه فإنه بمعنى الحراسة نحو قوله : { يحفظونه من أمر اللَّه } [ الرعد : 11 ] . فالحفظ بهذا الإِطلاق يجمع معنى الرعاية والقيام على ما يوكل إلى الحفيظ ، والأمانة على ما يوكل إليه .
وحرف ( على ) فيه للاستعلاء لتضمنه معنى الرقابة والسلطة .
وأما وصف الكرم فهو النفاسة في النوع كما تقدم في قوله تعالى : { قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.