وفى التعبير بقوله - سبحانه - { فَوَقَعَ الحق وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تجسيم لهذا الحق الذي كان عليه موسى ، وتثبيت واستقرار له ، حتى لكأنه شىء ذو ثقل نزل على شىء آخر خفيف الوزن فأزاله ومحاه من الوجود .
وهذه الآيات الكريمة تصور لنا كيف أن الباطل قد يسحر عيون الناس ببريقه لفترة من الوقت ، وقد يسترهب قلوبهم لساعة من الزمان ، حتى ليخيل إلى الكثيرين الغافلين أنه غالب وجارف . ولكن ما إن يواجهه الحق الهادىء الثابت المستقر بقوته التي لا تغالب حتى يزهق ويزول ، وينطفىء كشعلة الهشيم ، وإذا بأتباع هذا الباطل يصيبهم الذل والصغار ، وهم يرون صروحهم تتهاوى ، وآمالهم تتداعى ، أمام نور الحق المبين ، وإذا بتحديهم الصريح ، وتطاولهم الأحمق يتحول إلى استسلام مهين ، وذل مشين .
يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى ، عليه السلام ، في ذلك الموقف العظيم ، الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل ، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه ، { فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ } أي : تأكل { مَا يَأْفِكُونَ } أي : ما يلقونه ويوهمون أنه حق ، وهو باطل .
قال ابن عباس : فجعلت لا تَمُرّ بشيء{[12013]} من حبالهم ولا من خُشُبهم{[12014]} إلا التقمته ، فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء ، وليس هذا بسحر ، فخروا سجدا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فوقع الحق}، يعني فظهر الحق بأنه ليس بسحر، {وبطل ما كانوا يعملون}، يعني بطل ما كانوا يعملون من السحر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فظهر الحقّ وتبين لمن شهده وحضره في أمر موسى، وأنه لله رسول يدعو إلى الحقّ. "وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ "من إفك السحر وكذبه ومخايله.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والحق: كون الشيء في موضعه الذي اقتضته الحكمة. والحق موافق لداعي الحكمة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و {الحق} يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز. و {ما كانوا يعلمون} لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته.
.. فإن قيل: قوله: {فوقع الحق} يدل على قوة هذا الظهور، فكان قوله: {وبطل ما كانوا يعملون} تكريرا من غير فائدة! قلنا: المراد أن مع ثبوت هذا الحق زالت الأعيان التي أفكوها وهي تلك الحبال والعصي، فعند ذلك ظهرت الغلبة، فلهذا قال تعالى: {فغلبوا هنالك}؛ لأنه لا غلبة أظهر من ذلك {وانقلبوا صاغرين} لأنه لا ذل ولا صغار أعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله وحجته، على وجه لا يمكن فيه حيلة ولا شبهة أصلا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما علم أن ما صنعوه إنما هم خيال، وما صنعه موسى عليه السلام أثبت من الجبال، سبب معقباً قوله: {فوقع الحق} أي الذي لا شيء أثبت منه، فالواقع يطابقه لأن باطن الأمر مطابق لما ظهر منه من ابتلاعها لأمتعتهم فالإخبار عنه صدق، وفيه تنبيه على أن فعلهم إنما هو خيال بالنسبة إلى ظاهر الأمر، وأما في الباطن والواقع فلا حقيقة له، فالإخبار عن تحرك ما ألقوه كذب. ولما أخبر عن ثبات الحق، أتبعه زوال الباطل فقال: {وبطل} بحيث عدم أصلاً ورأساً {ما كانوا يعملون} فدل بكان والمضارع على أنهم -مع بطلان ما عملوا- نسوا علمهم بحيث إنه أسند عليهم باب العمل بعد أن كان لهم به ملكة كملكة ما هو كالجبلة -والله أعلم
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإذا الحق راجح الوزن، ثابت القواعد، عميق الجذور.. والتعبير القرآني هنا يلقي هذه الظلال، وهو يصور الحق واقعاً ذا ثقل: (فوقع الحق).. وثبت، واستقر.. وذهب ما عداه فلم يعد له وجود: (وبطل ما كانوا يعملون).
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والحق هنا أريد به صدق موسى وصحة معجزته وكون ما فعلته العصا هو من صنع الله تعالى وأثَرِ قدرته. وزيادة قوله: {وبطل ما كانوا يعملون} بعد قوله: {فوقع الحق} تقرير لمضمون جملة {فوقع الحق} لتسجيل ذم عملهم، ونداءٌ بخيبتهم، تأنيساً للمسلمين وتهديداً للمشركين، وللكافرين أمثالها.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لأنّ عمل موسى كان عملا واقعياً، وكانت أعمالهم حفنة من الحيل ومن أعمال الشعبذة، ولا شك أنّه لا يستطيع أي باطل أن يقاوم الحق دائماً. وهذه هي أوّل ضربة توجهت إلى أساس السلطان الفرعوني الجبّار.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.