والذين هم { فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } أى : فى جهالة تغمرهم كما يغمر الماء الأرض . فهم ساهون وغافلون عن كل خير .
فالغمرة : ما يغمر الشىء ويستره ويغطيه ، ومنه قولهم : نهر غَمْر ، أى : يغمر من دخله .
والمراد : أنهم فى جهالة غامرة لقلوبهم . وفى غفلة تامة عما ينفعهم .
وهذا التعبير فيه ما فيه من تصوير ما هم عليه من جهالة وغفلة ، حيث يصورهم - سبحانه - وكأن ذلك قد أحاط بهم وغمرهم حتى لكأنهم لا يحسون بشىء مما حولهم .
وقوله : وَالّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ يقول تعالى ذكره : الذين هم في غمرة الضلالة وغَلَبتها عليهم متمادون ، وعن الحقّ الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ساهون ، قد لَهُوا عنه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : الّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ يقول : في ضلالتهم يتمادَون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : الّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ قال : في غفلة لاهون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة الّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ يقول : في غمرة وشُبهة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان غَمْرَةٍ ساهُونَ قال : في غفلة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ قال : ساهون عما أتاهم ، وعما نزل عليهم ، وعما أمرهم الله تبارك وتعالى ، وقرأ قول الله جلّ ثناؤه بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا . . . الاَية ، وقال : ألا ترى الشيء إذا أخذته ثم غمرته في الماء .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ : قلبه في كِنانة .
والغمرة : المرة من الغمر ، وهو الإحاة ويفسرها ما تضاف إليه كقوله تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت } [ الأنعام : 93 ] فإذا لم تقيد بإضافة فإن تعيينها بحسب المقام كقوله تعالى : { فذرهم في غمرتهم حتى حين } في سورة المؤمنين ( 54 ) . والمراد : في شغل ، أي مَا يشغلهم من معاداة الإسلام شغلاً لا يستطيعون معه أن يتدبروا في دعوة النبيء .
والسهو : الغفلة . والمراد أنهم معرِضون إعراضاً كإعراض الغافل وما هم بغافلين فإن دعوة القرآن تقرع أسماعهم كل حين واستعمال مادة السهو في هذا المعنى نظير استعمالها في قوله تعالى : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } [ الماعون : 5 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فقال: {الذين هم في غمرة ساهون} يعني في غفلة لاهون عن أمر الله تعالى...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"الّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ "يقول تعالى ذكره: الذين هم في غمرة الضلالة وغَلَبتها عليهم متمادون، وعن الحقّ الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ساهون، قد لَهُوا عنه... عن ابن عباس، قوله: "الذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ" يقول: في ضلالتهم يتمادَون.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والغمرة: المرة من علو الشيء على ما هو فائض فيه، غمره الماء يغمره غمرا وغمرة، فهو غامر له، والانسان مغمور، ويقال: غمره الشغل، وغمره الموت، وغمره الحياء، وغمره الجهل... والمعنى: إن هؤلاء الكفار لجهلهم بما يجب عليهم معرفته ساهون عما يلزمهم العلم به، أي غافلون عن الحق متعامون عنه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{الذين هم} خاصة {في غمرة} أي أعماق من العمى والضلال، غارقون في سكرهم وجهلهم الذي غمرهم، ولذلك هم مضطربون اضطراب من هو يمشي في معظم البحر، فهو لا يكاد ينتظم له أمر من قول ولا فعل ولا حال. {ساهون} أي عريقون في السهو، وهو النسيان والغفلة والحيرة وذهاب القلب إلى غير ما يهمه، ففاعل ذلك ذو ألوان متخالفة من هول ما هو فيه وشدة كربه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فهم مغمورون بالأضاليل والأوهام لا يفيقون ولا يستيقظون. والتعبير يلقي ظلا خاصا، يصور القوم مغمورين ساهين لا يشعرون بشيء مما حولهم ولا يتبينون. كأنهم سكارى مذهولون!...