{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } لما ذكر جلالة{[1368]} كتابه وفضله بذكر الرسولين الكريمين ، اللذين وصل إلى الناس على أيديهما ، وأثنى الله عليهما بما أثنى ، دفع عنه كل آفة ونقص مما يقدح في صدقه ، فقال : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } أي : في غاية البعد عن الله وعن قربه ،
وقوله - سبحانه - { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } معطوف - أيضا - على قوله - تعالى - { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } والضمير هنا يعود على القرآن الكريم .
أى : وليس هذا القرآن الكريم ، المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقول شيطان مرجوم مسترق للسمع . . وإنما هو كلام الله - تعالى - الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وهذا رد آخر على المشركين الذين زعموا أن القرآن الكريم إنما هو من باب الكهانة ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو كاهن ، تلقنه الشياطين هذا القرآن .
عطف على : { إنه لقول رسول كريم } [ التكوير : 19 ] ، وهذا رجوع إلى ما أقسم عليه من أن القرآن قول رسول كريم ، بعد أن استُطرد بينهما بتلك المستطردات الدالة على زيادة كمال هذا القول بقُدسية مصدره ومكانةِ حامله عند الله وصدققِ متلقيه منه عن رؤية محققة لا تخيل فيها ، فكان التخلص إلى العَود لتنزيه القرآن بمناسبة ذكر الغيب في قوله تعالى : { وما هو على الغيب بضنين } [ التكوير : 24 ] .
فإن القرآن من أمر الغيب الذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفيه كثير من الأخبار عن أمور الغيب الجنة والنار ونحو ذلك .
وقد علم أن الضمير عائد إلى القرآن لأنه أخبر عن الضمير بالقول الذي هو من جنس الكلام إذ قال : { وما هو بقول شيطان رجيم } [ التكوير : 25 ] فكان المخبر عنه من قبيل الأقوال لا محالة ، فلا يتوهم أن الضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير : { وما هو على الغيب بضنين } .
وهذا إبطال لقول المشركين فيه أنه كاهن ، فإنهم كانوا يزعمون أن الكهان تأتيهم الشياطين بأخبار الغيب ، قال تعالى : { وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون } [ الحاقة : 41 42 ] وقال : { وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون } [ الشعراء : 210 ، 211 ] وقال : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم } [ الشعراء : 221 ، 222 ] وهم كانوا يزعمون أن الكاهن يتلقى عن شيطانه ويُسمون شيطانَه رَئيّاً .
وفي حديث فترة الوحي ونزول سورة والضحى : أن حمالة الحطب امرأة أبي لهب وهي أم جميل بنتُ حرب قالت للنبيء صلى الله عليه وسلم « أرى شيطانَك قد قلاك » .
و { رجيم } فعيل بمعنى مفعول ، أي مرجوم ، والمرجوم : المبعد الذي يتباعد الناس من شره فإذا أقبل عليهم رجموه فهو وصف كاشف للشيطان لأنه لا يكون إلا مُتَبَّرأ منه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون مطرود، ولكنه كلام الله ووحيه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
النبي صلى الله عليه وسلم ليس من شياطين الإنس ولا بمجنون كما ذكرتم بل هو رسول كريم، والذي أتاكم به من القرآن، لم يتلق من الشياطين، ولا هو من قبلهم كما تلقنه الكهنة والسحرة من أفواههم، بل هو ذكر من الله تعالى للعالمين أنزله إليه الروح الأمين القوي الذي لا يضل إليه الشيطان، فيغيره، ويبدله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وما هو} أي القرآن الذي من جملة معجزاته الإخبار بالمغيبات، وأعرق في النفي بالتأكيد بالباء فقال: {بقول شيطان}. ولما كان الشيطان لا ينفك عن الطرد لأن اشتقاقه من شطن وشاط، وذلك يقتضي البعد والاحتراق، وصفه بما هو لازم له فقال: {رجيم} أي مرجوم باللعن وغيره من الشهب لأجل استراق السمع مطرود عن ذلك...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهذا رجوع إلى ما أقسم عليه من أن القرآن قول رسول كريم، بعد أن استُطرد بينهما بتلك المستطردات الدالة على زيادة كمال هذا القول بقُدسية مصدره ومكانةِ حامله عند الله وصدقِ متلقيه منه عن رؤية محققة لا تخيل فيها، فكان التخلص إلى العَود لتنزيه القرآن بمناسبة ذكر الغيب في قوله تعالى: {وما هو على الغيب بضنين}. فإن القرآن من أمر الغيب الذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفيه كثير من الأخبار عن أمور الغيب الجنة والنار ونحو ذلك. وقد علم أن الضمير عائد إلى القرآن لأنه أخبر عن الضمير بالقول الذي هو من جنس الكلام إذ قال: {وما هو بقول شيطان رجيم} فكان المخبر عنه من قبيل الأقوال لا محالة، فلا يتوهم أن الضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير: {وما هو على الغيب بضنين}. وهذا إبطال لقول المشركين فيه أنه كاهن...
. وهم كانوا يزعمون أن الكاهن يتلقى عن شيطانه ويُسمون شيطانَه رَئيّاً. وفي حديث فترة الوحي ونزول سورة والضحى: أن حمالة الحطب امرأة أبي لهب وهي أم جميل بنتُ حرب قالت للنبيء صلى الله عليه وسلم « أرى شيطانَك قد قلاك». و {رجيم} فعيل بمعنى مفعول، أي مرجوم، والمرجوم: المبعد الذي يتباعد الناس من شره فإذا أقبل عليهم رجموه فهو وصف كاشف للشيطان لأنه لا يكون إلا مُتَبَّرأ منه...