التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٖ} (25)

- الشيطان : العاتي القوي من الإنس والجن .

- رجيم : مرجوم ومطرود من رحمة الله{[2401]} .

15

تعليق على كلمة الشيطان

وبمناسبة ورود كلمة الشيطان لأول مرة نقول : إن المفسرين{[2402]} قالوا : إن اشتقاق الكلمة عربي من شطن بمعنى بعد أو شاط بمعنى بطل وفسد ، وإنها نعت لكل داهية قوي الحيلة والبغي . وقد خطر لبالنا أن يكون بينها وبين شط بمعنى جار وبغى صلة ، ومنه ما جاء في آية ص هذه : { فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط( 22 ) } ، وفعلان من الصيغ العربية التي تتضمن معنى الوصف والمبالغة . والمتبادر أن شيطان من هذا الباب اشتقت من جذر من الجذور الثلاثة .

والكلمة أكثر ما وردت في القرآن مرادفة لإبليس ومفهومه من إغواء الناس ، كما جاء في آية سورة النساء هذه : { الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا( 76 ) } ، وفي آيات سورة البقرة هذه : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ( 34 ) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ( 35 ) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ( 36 ) } ، وقد وردت مرات عديدة للتعبير عن جبابرة الجن ومرة في شمولها لجبابرة الإنس كما جاء في آية سورة الأنعام هذه : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ( 112 ) } .

وقد قال بعض الباحثين : إنها دخيلة على العربية من كلمة سلطان أو جطان العبرية ، وإن مفهومها المرادف لإبليس دخيل أيضا . ومع أن هذا المفهوم لا يبعد أن يكون منقولا إلى العرب من الكتابيين الذين وردت كلمة الشيطان في معرض إغواء الناس والوسوسة لهم في ما كان وما يزال متداولاً من أسفار وقراطيس مرات عديدة فإن وجود جذر عربي فصيح للكلمة لا يبرز إبعادها عن الأصالة العربية الفصحى . على أن هذا لا يمنع القول باحتمال وحدة جذر الكلمة في العربية والعبرية أيضا لأنهما شقيقتان ترجعان إلى أصل واحد .

ومهما يكن من أمر فإن من الحق أن يقال : إن الكلمة بقالبها الذي وردت به في القرآن قد استعملها العرب قبل نزولها وكانوا يفهمون كل الدلالات التي تدل عليها الآيات المتنوعة التي وردت فيها ، وإنها تعد من اللسان العربي المبين ما دام القرآن يقرر أنه نزل بهذا اللسان . وهي هنا على كل حال تعني جبابرة الجن الذين كانوا يتنزلون على الشعراء والكهان والسحرة على ما كان يعتقده العرب . ونعت الشيطان بالرجيم يدل على أنه كان للشيطان في أذهان سامعي القرآن صورة بغيضة . وفي سورة الصافات هذه الآية من آيات فيها وصف لشجرة الزقوم الأخروية : { طلعها كأنه رؤوس الشياطين( 65 ) } حيث ينطوي في هذا أنه كان للشياطين في أذهانهم صورة مخيفة أيضاً .

وأسلوب مطلع السورة مما تكرر في مطالع عديدة أخرى بحيث يسوغ أن يقال : إنه أسلوب من أساليب النظم القرآني في مطالع السور .

ولقد علقنا على فقرة تشبه الآية الأخيرة في صدد إناطة مشيئة الناس بمشيئة الله في سياق تفسير سورة المدثر . وما قلناه هناك يصح هنا بتمامه فنكتفي بالإشارة دون الإعادة .


[2401]:- انظر تفسير الكلمات في كتب التفسير المذكورة آنفا.
[2402]:- اقرأ تفسير الفاتحة في تفسير الطبرسي "مجمع البيان" وانظر مادة شط في أساس البلاغة للزمخشري