{ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } حين دعاه { فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ } فلم تزل تراوده وتستعين عليه بما تقدر عليه من الوسائل ، حتى أيسها ، وصرف الله عنه كيدها ، { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لدعاء الداعي
{ الْعَلِيمُ } بنيته الصالحة ، وبنيته الضعيفة المقتضية لإمداده بمعونته ولطفه .
فهذا ما نجى الله به يوسف من هذه الفتنة الملمة والمحنة الشديدة ، . وأما أسياده فإنه لما اشتهر الخبر وبان ، وصار الناس فيها بين عاذر ولائم وقادح .
وقوله - سبحانه - { فاستجاب لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم } بيان لتقبل الله - تعالى - لدعائه بفضله ورحمته .
أى : فاستجاب الله - تعالى - ليوسف دعاءه وضراعته ، فدفع عنه بلطفه وقدرته كيد هؤلاء النسوة ومكرهن ، بأن أدخل اليأس في نفوسهن من الطمع في استجابته لهن ، وبأن زاده ثباتا على ثباته ، وقوة على قوته ، فلم ينخدع بمكرهن ، ولم تلن له قناة أمام ترغيبهن أو ترهيبهن .
وقال - سبحانه - { فاستجاب } بفاء التعقيب للإِشارة إلى أنه - سبحانه - بفضله وكرمه ، قد أجاب دعاء عبده يوسف - عليه السلام - بدون تأخير أو إبطاء .
قال الإِمام ابن كثير : وقوله - سبحانه - { فاستجاب لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ .
وذلك لأن يوسف - عليه السلام - عصمه الله عصمة عظيمة ، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع ، واختار السجن على ذلك ، وهذا في غاية مقامات الكمال ، أنه مع شبابه وجماله وكماله ، تدعوه سيدته ، وهى امرأة عزيز مصر ، وهى مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة ، فيمتنع من ذلك ويختار السجن خوفا من الله ، ورجاء في ثوابه .
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنى أخاف الله "
( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن ، إنه هو السميع العليم ) .
وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته لهن ، بعد هذه التجربة ، أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى لا يحس في نفسه أثرا منه . أو بهما جميعا .
( إنه هو السميع العليم ) الذي يسمع ويعلم ، يسمع الكيد ويسمع الدعاء ، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء .
وهكذا اجتاز يوسف محنته الثانية ، بلطف الله ورعايته . وانتهت بهذه النجاة الحلقة الثانية من قصته المثيرة .
عطْف جملة { فاستجاب } بفاء التعقيب إشارة إلى أنّ الله عجّل إجابة دعائه الذي تضمنه قوله : { وإلاّ تصرف عني كيدهن } . واستجاب : مبالغة في أجاب ، كما تقدم في قوله : { فاستعصم } [ سورة يوسف : 32 ] .
وصَرْف كيدهن عنه صَرْف أثره ، وذلك بأن ثبّته على العصمة فلم ينخدع لكيدها ولا لكيد خلائلها في أضيق الأوقات .
وجملة { إنّه هو السميع العليم } في موضع العلة ل { استجاب } المعطوف بفاء التعقيب ، أي أجاب دعاءه بدون مهلة لأنه سريع الإجابة وعليم بالضمائر الخالصة . فالسمع مستعمل في إجابة المطلوب ، يقال : سمع الله لمن حمده . وتأكيده بضمير الفصل لتحقيق ذلك المعنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.