قوله تعالى : { أولئك } أهل هذه الصفة ، { هم الوارثون } يرثون منازل أهل النار من الجنة . وروي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله وذلك قوله تعالى : { أولئك هم الوارثون } . وقال مجاهد : لكل واحد منزلان ، منزل في الجنة ومنزل في النار ، فأما المؤمن فيبني منزله الذي له في الجنة ويهدم منزله الذي في النار ، وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة ويبني منزله الذي في النار . وقال بعضهم : معنى الوراثة هو أنه يؤول أمرهم إلى الجنة وينالونها ، كما يؤول أمر الميراث إلى الوارث .
بعد ذلك بين - سبحانه - ما أعد لهم من حسن الثواب فقال : { أولئك هُمُ الوارثون الذين يَرِثُونَ الفردوس هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
والفردوس : أعلى الجنات وأفضلها وهو لفظ عربى يجمع فى فراديس .
وقيل : هو لفظ معرب معناه : الذى يجمع ما فى البساتين من ثمرات .
وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة " .
أى : أولئك الموصوفون بتلك الصفات الجليلة ، هم الجديرون بالفلاح فإنهم يرثون أعلى الجنات وأفضلها ، وهم فيها خالدون خلوداً أبديًّا لا يمسهم فيها نصب ، ولا يمسهم فيها لغوب .
وعبر - سبحانه - عن حلولهم فى الجنة بقولهم { يَرِثُونَ } للإشعار بأن هذا النعيم الذى نزلوا به ، قد استحقوه بسبب أعمالهم الصالحة ، كما يملك الوارث ما ورثه عن غيره ، ومن المعروف أن ما يملكه الإنسان عن طريق الميراث يعتبر أقوى أسباب الملك .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وقوله - سبحانه - : { ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وحذف مفعول اسم الفاعل الذى هو { الوارثون } لدلالة قوله : { الذين يَرِثُونَ الفردوس } عليه .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت المؤمنين الصادقين مدحاً عظيماً ووعدتهم بالفوز بأعلى الجنات وأفضلها ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
ولما كانت الحياة في هذه الأرض لا تحقق الكمال المقدر لبني الإنسان ، فقد شاء الله أن يصل المؤمنون الذين ساروا في الطريق ، إلى الغاية المقدرة لهم ، هنالك في الفردوس ، دار الخلود بلا فناء ، والأمن بلا خوف ، والاستقرار بلا زوال :
( أولئك هم الوارثون ، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) . .
وتلك غاية الفلاح الذي كتبه الله للمؤمنين . وليس بعدها من غاية تمتد إليها عين أو خيال . .
و { الوارثون } يريد الجنة ، وروي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى جعل لكل إنسان مسكناً في الجنة ومسكناً في النار ، فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار ويحصل الكفار في مساكنهم في النار{[8457]} .
ويحتمل أَن يسمي تعالى الحصول على الجنة وراثة من حيث حصلوها دون غيرهم ، فهو اسم مستعار على الوجهين ،
جيء لهم باسم الإشارة بعد أن أجريت عليهم الصفات المتقدمة ليفيد اسمُ الإشارة أن جدارتهم بما سيذكر بعد اسم الإشارة حصلتْ من اتصافهم بتلك الصفات على نحو قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] بعد قوله : { هدًى للمتقين } إلى آخره في سورة البقرة ( 2 ) . والمعنى : أولئك هم الأحقاء بأن يكونوا الوارثين بذلك .
وتوسيط ضمير الفصل لتقوية الخبر عنهم بذلك ، وحذف معمول { الوارثون } ليحصل إبهام وإجمال فيترقب السامع بيانه فبين بقوله : { الذين يرثون الفردوس } قصداً لتفخيم هذه الوراثة ، والإتيان في البيان باسم الموصول الذي شأنه أن يكون معلوماً للسامع بمضمون صلته إشارة إلى أن تعريف { الوارثون } تعريف العهد كأنه قيل : هم أصحاب هذا الوصف المعروفون به .
واستعيرت الوراثة للاستحقاق الثابت لأن الإرث أقوى الأسباب لاستحقاق المال ، قال تعالى : { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } [ الزخرف : 72 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر بثوابهم، فقال: {أولئك هم الوارثون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ" يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم في الدنيا، هم الوارثون يوم القيامة منازل أهل النار من الجنة...
حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ وَلَهُ مَنْزِلانِ: مَنْزِلٌ فِي الجَنّةِ، ومَنْزِلٌ فِي النّارِ، وَإنْ ماتَ وَدَخَلَ النّارِ وَرِثَ أهْلُ الجَنّةِ مَنْزِلَهُ» فذلك قوله: "أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ".
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
الإرث على حسب النَّسب، وفي استحقاق الفردوسِ بوصف الإرثِ لِنَسَبِ الإيمان في الأصل، ثم الطاعات في الفضل.
كيف حكم على الموصوفين بالصفات السبع بالفلاح مع أنه تعالى ما تمم ذكر العبادات الواجبة كالصوم والحج والطهارة؟ والجواب:
أن قوله: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} يأتي على جميع الواجبات من الأفعال والتروك كما قدمنا، والطهارات دخلت في جملة المحافظة على الصلوات الخمس لكونها من شرائطها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر مجموع هذه الأوصاف العظيمة، فخم جزاءهم فقال: {أولئك} أي البالغون من الإحسان أعلى مكان {هم} خاصة {الوارثون} أي المستحقون لهذا الوصف المشعر ببقائهم بعد أعدائهم فيرثون دار الله لقربهم منه واختصاصهم به بعد إرثهم أرض الدنيا التي قارعوا عليها على قلتهم وضعفهم أعداءَنا الكفار على كثرتهم وقوتهم، فكانت العاقبة فيها لهم كما كتبنا في الزبور {إن الأرض يرثها عبادي الصالحون} {لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم} [إبراهيم: 13، 14].
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولما كانت الحياة في هذه الأرض لا تحقق الكمال المقدر لبني الإنسان، فقد شاء الله أن يصل المؤمنون الذين ساروا في الطريق، إلى الغاية المقدرة لهم، هنالك في الفردوس، دار الخلود بلا فناء، والأمن بلا خوف، والاستقرار بلا زوال... وتلك غاية الفلاح الذي كتبه الله للمؤمنين. وليس بعدها من غاية تمتد إليها عين أو خيال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جيء لهم باسم الإشارة بعد أن أجريت عليهم الصفات المتقدمة ليفيد اسمُ الإشارة أن جدارتهم بما سيذكر بعد اسم الإشارة حصلتْ من اتصافهم بتلك الصفات على نحو قوله تعالى: {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5] بعد قوله: {هدًى للمتقين} إلى آخره في سورة البقرة (2). والمعنى: أولئك هم الأحقاء بأن يكونوا الوارثين بذلك.
وتوسيط ضمير الفصل لتقوية الخبر عنهم بذلك، وحذف معمول {الوارثون} ليحصل إبهام وإجمال فيترقب السامع بيانه فبين بقوله: {الذين يرثون الفردوس} قصداً لتفخيم هذه الوراثة، والإتيان في البيان باسم الموصول الذي شأنه أن يكون معلوماً للسامع بمضمون صلته إشارة إلى أن تعريف {الوارثون} تعريف العهد كأنه قيل: هم أصحاب هذا الوصف المعروفون به.
واستعيرت الوراثة للاستحقاق الثابت لأن الإرث أقوى الأسباب لاستحقاق المال، قال تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: 72].
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وبعد ما وصف كتاب الله معالم الإيمان البارزة، وما يتحلى به المؤمنون المفلحون من الخصائص والعلامات، نقل إليهم أفضل بشرى، لتكون لهم نعم الحافز ونعم الذكرى، فقال مشيرا إلى الجامعين لهذه الأوصاف منوها بمقامهم، ومبشرا بالحصول على مرامهم، تأكيدا لفوزهم وفلاحهم، {أولئك هم الوارثون}.