ثم بين - سبحانه - مطالبهم المتعنتة ، وأدلتهم الباطلة فقال : { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
والفاء للإِفصاح ، والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين الذين كانوا يؤمنون بالبعث . أى : إن هؤلاء الكافرين قالوا - أيضا للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين . إن كان الأمر كما تقولون من أن هناك بعثا وحسابا . . فأعبدوا الحياة إلى آبائنا الأولين ، واجعلوهم يخرجون إلينا مرة لنراهم .
ويستدلون على أنه ليس هناك إلا هذه الموتة وينتهي الأمر . يستدلون بأن آباءهم الذين ماتوا هذه الموتة ومضوا لم يعد منهم أحد ، ولم ينشر منهم أحد ؛ ويطلبون الإتيان بهم إن كان النشور حقاً وصدقاً .
وهم في هذا الطلب يغفلون عن حكمة البعث والنشور ؛ ولا يدركون أنها حلقة من حلقات النشأة البشرية ، ذات حكمة خاصة وهدف معين ، للجزاء على ما كان في الحلقة الأولى . والوصول بالطائعين إلى النهاية الكريمة التي تؤهلهم لها خطواتهم المستقيمة في رحلة الحياة الدنيا ؛ والوصول بالعصاة إلى النهاية الحقيرة التي تؤهلهم لها خطواتهم المنتكسة المرتكسة في الحمأة المستقذرة . . وتلك الحكمة تقتضي مجيء البعث والنشور بعد انقضاء مرحلة الأرض كلها ؛ وتمنع أن يكون البعث لعبة تتم حسب رغبة أو نزوة بشرية لفرد أو لجماعة محدودة من البشر كي يصدقوا بالبعث والنشور ! وهم لا يكمل إيمانهم إلا أن يشهدوا بالغيب على هذه القضية ، التي يخبرهم بها الرسل ؛ ويقتضيها التدبر في طبيعة هذه الحياة ، وفي حكمة الله في خلقها على هذا الأساس . وهذا التدبر وحده يكفي للإيمان بالآخرة ، والتصديق بالنشور .
وقول قريش : { فأتوا } مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه من حيث كان النبي عليه السلام مسنداً في أقواله وأفعاله إلى الله تعالى وبواسطة ملك خاطبوه كما تخاطب الجماعة ، وهم يريدونه وربه وملائكته . واستدعاء الكفار في هذه الآية أن يحيي لهم بعض آبائهم وسموا قصياً لكي يسألوهم عما رأوا في آخرتهم ، ولم يستقص في هذه الآية الرد عليهم لبيانه ، ولأنه مبثوث في غير ما آية من كتاب الله ، فإن الله تعالى قد جزم البعث من القبور في أجل مسمى لا يتعداه أحد ، وقد بينت الأمثلة من الأرض الميتة وحال النبات أمر البعث من القبور .
وجعلوا قولهم : { فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين } حجة على نفي البعث بأن الأموات السابقين لم يرجع أحد منهم إلى الحياة وهو سفسطة لأن البعث الموعود به لا يحصل في الحياة الدنيا ، وهذا من توركهم واستهزائهم .
وضمير جمع المخاطبين أرادوا به النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين الذين كانوا يقولون لهم { إنكم مبعوثون } [ هود : 7 ] كما جاء في حديث خبّاب بن الأرتّ مع العاصي بن وائل الذي نزل بسببه قوله تعالى : { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوَتَيَنّ مالاً وولداً } الآية ، وتقدم في سورة مريم ( 77 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.