{ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ } أي : يمنع الخير الذي عنده{[829]} الذي أعظمه ، الإيمان بالله [ وملائكته ]{[830]} وتبه ، ورسله مناع ، لنفع ماله وبدنه ، { مُعْتَدٍ } على عباد الله ، وعلى حدوده{[831]} { مُرِيبٍ } أي : شاك في وعد الله ووعيده ، فلا إيمان ولا إحسان ولكن وصفه الكفر والعدوان ، والشك والريب ، والشح ، واتخاذ الآلهة من دون الرحمن ، ولهذا قال :
ولا يذكر السياق شيئا عن مراجعة هذا السجل تعجيلا بتوقيع الحكم وتنفيذه . إنما يذكر مباشرة النطق العلوي الكريم ، للملكين الحافظين : السائق والشهيد : ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . مناع للخير معتد مريب . الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد ) . . وذكر هذه النعوت يزيد في حرج الموقف وشدته . فهو دلالة غضب الجبار القهار في الموقف العصيب الرهيب ؛ وهي نعوت قبيحة مستحقة لتشديد العقوبة : كفار . عنيد . مناع للخير . معتد . مريب .
وقوله تعالى : { مناع للخير } لفظ عام للمال والكلام الحسن والمعاون على الأشياء . وقال قتادة ومجاهد وعكرمة ، معناه : الزكاة المفروضة ، وهذا التخصيص ضعيف ، و : { معتد } معناه : بلسانه ويده . و : { مريب } معناه : متلبس بما يرتاب به ، أراب الرجل : إذا أتى بريبة ودخل فيها . قال الثعلبي قيل نزلت في الوليد بن المغيرة .
والمنَّاع : الكثير المنع ، أي صد الناس عن الخير ، والخير هو الإيمان ، كانوا يمنعون أبناءهم وذويهم من اتباع الإيمان ومن هؤلاء الوليدُ بن المغيرة كان يقول لبني أخيه « من دخل منكم في الإسلام لا أنفعه بشيء ما عِشت » . ويحتمل أن يراد به أيضاً منع الفقراء من المال لأن الخير يطلق على المال وكان أهل الجاهلية يمنعون الفقراء ويعطون المال لأكابرهم تقرباً وتلطفاً .
والمعتدي : الظالم الذي يعتدي على المسلمين بالأذى وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والقول الباطل .
والمريب الذي أراب غيره ، أي جعله مرتاباً ، أي شاكّا ، أي بما يلْقُونه إلى الناس من صنوف المغالطة ليشككوهم في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة الإيمان والتوحيد . وبين لفظي { عتيد } [ ق : 18 ] و { عنيد } الجناس المصحف .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"مَنّاعٍ للْخَيْرِ "كان قتادة يقول في الخير في هذا الموضع: هو الزكاة المفروضة...
والصواب من القول في ذلك عندي أنه كلّ حقّ وجب لله، أو لآدمي في ماله، والخير في هذا الموضع هو المال.
وإنما قلنا ذلك هو الصواب من القول، لأن الله تعالى ذكره عمّ بقوله مناع للخير عنه أنه يمنع الخير ولم يخصص منه شيئا دون شيء، فذلك على كلّ خير يمكن منعه طالبه.
وقوله: "مُعْتَدٍ" يقول: معتد على الناس بلسانه بالبذاء والفحش في المنطق، وبيده بالسطوة والبطش ظلما...
وقوله: "مُرِيبٍ" يعني: شاكّ في وحدانية الله وقُدرته على ما يشاء.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدهما: منّاع عن الخير، وهو منع غيره عن التوحيد وقبول الحق.
والثاني: {منّاع للخير} أي منع ما عنده من الحقوق التي وجبت في أمواله ونفسه... وقوله تعالى: {مُعتدٍ مريب} المعتدي من الاعتداء، وهو المجاوز عن حدود الله، والمريب من الرّيبة، وهي الشك والفساد؛ فكان المريب، هو الذي فيه الشّك والفساد جميعا...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أي: لا يؤدي ما عليه من الحقوق، ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة، {معتد} أي: فيما ينفقه ويصرفه، يتجاوز فيه الحد...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمنَّاع: الكثير المنع، أي صد الناس عن الخير، والخير هو الإيمان، كانوا يمنعون أبناءهم وذويهم من اتباع الإيمان ومن هؤلاء الوليدُ بن المغيرة كان يقول لبني أخيه « من دخل منكم في الإسلام لا أنفعه بشيء ما عِشت». ويحتمل أن يراد به أيضاً منع الفقراء من المال، لأن الخير يطلق على المال وكان أهل الجاهلية يمنعون الفقراء ويعطون المال لأكابرهم تقرباً وتلطفاً.
والمعتدي: الظالم الذي يعتدي على المسلمين بالأذى وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والقول الباطل.
والمريب الذي أراب غيره، أي جعله مرتاباً، أي شاكّا، أي بما يلْقُونه إلى الناس من صنوف المغالطة ليشككوهم في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة الإيمان والتوحيد. وبين لفظي {عتيد} [ق: 18] و {عنيد} الجناس المصحف.
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
{مناع للخير} فيمنع الدعوة إلى الله، ويمنع بذل أمواله فيما يرضي الله، ويمنع كل خير، لأن قوله: {للخير} لفظ يشمل كل خير، وقوله: مناع كأنه يلتمس كل خير فيمنعه، فتكون هذه الصيغة صيغة مبالغة. {معتد} أي: يعتدي على غيره، فلم يمنع غيره من الخير فقط، بل يعتدي عليه، وانظروا إلى كفار قريش ماذا صنعوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، منعوه واعتدوا عليه. {مريب} أي: واقع في الريبة والشك والقلق، وكذلك أيضاً يشكك غيره فيدخل في قلبه الريبة، فكلمة {مريب} تقتضي وصف الإنسان بها، وحمل هذا الوصف إلى غيره...