اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٖ مُّرِيبٍ} (25)

قوله : «مَنَّاع للخير » أي كثير المنع للمال{[52428]} والواجب من الزَّكاة وكُلّ حق واجب في ماله هذا إذا قلنا إن الكفار هو المنكر نعم الله تعالى . وإن قلنا : هو من الكفر فهو الذي أنكر دلائل وحدانية الله تعالى مع قوّتها وظهورها ، فكان شديد الكفر عنيداً حيث أنكر الحق الواضح فهو مناع شديد المنع من الإيمان فهو مناع للخير وهو الإيمان الذي هو خَيْرٌ محض ، كأنه يقول : كفر بالله ولم يقتنع{[52429]} بكفره ، حتى مَنَعَ الخير من الغَيْر .

قوله : «مُعتَدٍ » فإن فسرنا المَنَّاع بمنَّاع الزكاة فمعناه لمن يؤدِّ الواجب وتعدى ذلك حتى أخذ الحرام أيضاً بالرِّبا كما كان عادة المشركين ، وإن كان المنّاع بمعنى منع الإيمان فكأنه يقول : مَنَعَ الإيمان ولم يقنع به حتى تعداه ، وأهان مَنْ آمَن ، وآذاهُ ، وأعان من كفر فَآوَاهُ{[52430]} . قال المفسرون : هو الظالم الذي لا يُقرُّ بتوحيد الله تعالى .

وقوله : «مُرِيبٍ » أي شاكّ في التوحيد . ومعناه دخل في الرَّيْب ، وقيل : موقع للغير في الريب بإلقاء الشُّبَه{[52431]} . وإن قيل : بأن المنَّاع مَنَّاعُ الزكاة فمعناه لا يعطي الزكاة لأنه في رَيْبٍ من الآخرة والثواب . قال ابن الخطيب : وفيه ترتيب آخر وهو أن يُقَالَ : هذا بيان أحوال الكافر بالنسبة إلى الله تعالى وإلى الرَّسُول وإلى اليوم الآخر{[52432]} . فقوله : «كَفَّار عَنيد » إشارة إلى حَالِهِ مَعَ اللَّهِ يكفر به ويعاند آياته . وقوله : { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ } ، إشارة إلى حَالِهِ مع الرسول يمنع الناس اتّبَاعَهُ ومن الإنفاق على مَنْ عنده وبتعدَّى بالإيذاء وقوله : «مريب » إشارة إلى حاله بالنسبة إلى اليوم الآخر يَرْتَاب فيه ولا يظن أن الساعة قائمةٌ .

فإن قيل : قوله تعالى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } إلى غير ذلك يوجب أن يكون الإلقاءُ خاصاً بمن اجتمع فيه هذه الصفات بأسرها والكفر وحده كاف في إثبات الإلقاء في جهنم ؟

فالجواب : أن قوله : { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } ليس المراد منه الوصف المميز كما يقال : أعطِ العالم الزاهدَ بل المراد الوصف المبين لكون الموصوف موصوفاً به إما على سبيل المدح أو على سبيل الذم كقولك : هَذَا حَاتِمٌ السخيُّ . فقوله : { كل كفار عنيد } معناه أن الكافر عنيد ومناع للخير ؛ لأن آياتِ الوحدانية ظاهرةٌ ونِعَمَ الله على عباده وافرة وهو مع ذلك عنيد ومناع للخير ، لأنه يمدح دينه ويذم دين الحق فهو يَمْنَعُ ، ومُرِيب لأنه يرتاب في الحَشْر ، وكل كافر فهو موصوف بهذه الصفات{[52433]} .


[52428]:في (ب) يقنع.
[52429]:في الرازي المرجع السابق: "وآواه".
[52430]:البغوي 6/236.
[52431]:الرازي المرجع السابق.
[52432]:الرازي 28/167 و168 السابق.
[52433]:البحر المحيط 8/126.