ولم يملك إبراهيم إزاء انتكاسهم على رءوسهم ، إلا أن يوبخهم بعنف وضيق ، - وهو الحليم الأواه المنيب - وقد قابلوا تأنيبه لهم بتوعده بالعذاب الشديد ، ولكن الله - تعالى - نجاه من مكرهم ، قال - تعالى - : { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ . . . } .
أى : قال إبراهيم لقومه بعد أن ضاق بهم ذرعا : أتتركون عبادة الله الذى خلقكم ، وتعبدون غيره أصناما لا تنفعكم بشىء من النفع ، ولا تضركم بشىء من الضر ،
فعندها قال لهم إبراهيم لما اعترفوا بذلك : { أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ }أي : إذا كانت لا تنطق{[19686]} ، وهي لا تضر ولا تنفع ، فلم تعبدونها من دون الله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قال} لهم إبراهيم عند ذلك: {أفتعبدون من دون الله} من الآلهة {ما لا ينفعكم شيئا} إن عبدتموهم {ولا يضركم} إن لم تعبدوهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أفتعبدون أيها القوم ما لا ينفعكم شيئا ولا يضرّكم، وأنتم قد علمتم أنها لم تمنع نفسها ممن أرادها بسوء، ولا هي تقدر أن تنطق إن سئلت عمن يأتيها بسوء فتخبر به، أفلا تستَحْيون من عبادة ما كان هكذا؟... عن ابن إسحاق... يقول يرحمه الله: ألا ترون أنهم لم يدفعوا عن أنفسهم الضرّ الذي أصابهم، وأنهم لا ينطقون فيخبرونكم من صَنع ذلك بهم، فكيف ينفعونكم أو يضرّون؟
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
يقول الله تعالى لما قال كفار قوم إبراهيم عليه السلام (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) فقال لهم إبراهيم منبها لهم على خطئهم وضلالهم (أفتعبدون من دون الله أي توجهون عبادتكم إلى الأصنام التي لا تنفعكم شيئا ولا تدفع عنكم ضرا، لأنها لو قدرت على نفعكم وضركم، لدفعت عن نفسها، حتى لم تكسر، ولأجابت حين سئلت (من دون الله) الذي يقدر على ضركم ونفعكم من ثوابكم وعقابكم، وإنه يفعل معكم مالا يقدر عليه سواه. وليس كل من قدر على الضر والنفع يستحق العبادة، وإنما يستحقها من قدر على أصول النعم التي هي خلق الحياة والشهوة والقدرة وكمال العقل، ويقدر على الثواب والعقاب أو لمنافع تقع على وجه لا يقدر على إيقاعها على ذلك الوجه سواه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
فوجد إبراهيم عليه السلام عند هذه المقالة موضع الحجة ووقفهم موبخاً على عبادتهم تماثيل لا تنفع بذاتها ولا تضر.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تسبب عن قولهم هذا إقرارهم بأنهم لا فائدة فيهم، فاتجهت لإبراهيم عليه السلام الحجة عليهم، استأنف سبحانه الإخبار عنها بقوله: {قال} منكراً عليهم موبخاً لهم مسبباً عن إقرارهم هذا: {أفتعبدون} ونبههم على أن جميع الرتب تتضاءل دون رتبة الإلهية بقوله: {من دون الله} أي من أدنى رتبة من تحت رتبة الملك الذي لا ضر ولا نفع إلا بيده لاستجماعه صفات الكمال. ولما كانوا في محل ضرورة بسبب تكسير أصنامهم، راجين من ينفعهم في ذلك، قدم النفع فقال: {ما لا ينفعكم شيئاً} لترجوه {ولا يضركم} شيئاً لتخافوه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وهنا فُتح أمام إبراهيم الميدان والمجال للاستدلال المنطقي ليوجّه لهم أشدّ هجماته، وليرمي عقولهم بوابل من التوبيخ واللوم المنطقي الواعي: (قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضرّكم)؟ فماذا تنفع هذه الآلهة المزعومة الخياليّة التي لا قدرة لها على الكلام، وليس لها شعور وإدراك، ولا تقدر أن تدافع عن نفسها، ولا تستطيع أن تحمي عبّادها، ولا يصدر عنها أي عمل؟ إنّ عبادة معبود ما إنّما يكون لأهليّته للعبادة، ومثل هذا الأمر لا معنى له في شأن الأصنام الميتة، أو يعبد رجاء فائدة ونفع تعود عليهم من قبله، أو الخوف من خسارتهم، إلاّ أنّ إقدامي على تحطيم الأصنام أوضح أنّها لا تملك أدنى حركة، ومع هذا الحال ألا يعتبر عملكم هذا حمقاً وجهالة؟!