ثم بين - سبحانه - ما أعده هؤلاء السابقين بالخيرات من عطاء كريم ، فقال : { على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } .
والسرر : جمع سرير ، وهو ما يستعمله الإنسان لنومه أو الاتكاء عليه فى جلسته .
والموضونة : أى المنسوجة بالذهب نسجا محكما ، لراحة الجالس عليها ولتكريمه ، يقال : وضن فان الغزل يضنه ، إذا نسجه نسجا متقنا جميلا .
أى : مستقرين على سرر قد نسجت أطرافها بالذهب وبما يشبهه ، نسجا بديعا يشرح الصدر . فقوله : { على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } حال من المقربين .
وقوله : { عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } قال ابن عباس : أي مرمولة بالذهب ، يعني : منسوجة به . وكذا قال مجاهد ، وعِكْرِمَة ، وسعيد بن جُبَيْر ، وزيد بن أسلم ، وقتادة ، والضحاك ، وغيره .
وقال السُّدِّيّ : مرمولة بالذهب واللؤلؤ . وقال عكرمة : مشبكة بالدر والياقوت . وقال ابن جرير : ومنه سمي وضين الناقة الذي تحت بطنها ، وهو فعيل بمعنى مفعول ؛ لأنه مضفور ، وكذلك السرر في الجنة مضفورة بالذهب واللآلئ .
وقرأ الجمهور : » سرُر «بضم الراء . وقرأ أبو السمال : » سرَر «بفتح الراء .
والموضونة : المنسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض كحلف الدرع ، فإن الدرع موضونة ، ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]
ومن نسج داود موضونة . . . تسير مع الحي عيراً فعيرا{[10888]}
وكذلك سفيفة الخوص ونحوه { موضونة } ، ومنه وضين الناقة وهو حزامها ، لأنه موضون ، فهو كقتيل وجريح ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]
إليك تعدو قلقاً وضينها . . . معترضاً في بطنها جنينها
مخالفاً دين النصارى دينها . . . {[10889]}
قال ابن عباس : هذه السرر الموضونة هي المرمولة بالذهب{[10890]} ، وقال عكرمة : هي مشبكة بالدر والياقوت .
الجار والمجرور خبر ثالث عن { أولئك المقربون } [ الواقعة : 11 ] أو حال ثانية من اسم الإِشارة . وهذا تبشير ببعض ما لهم من النعيم مما تشتاق إليه النفوس في هذه الحياة الدنيا لتشويقهم إلى هذا المصير فيسعوا لنواله بصالح الأعمال ، وليس الاقتصار على المذكور هنا بمقتض حصر النعيم فيما ذكر فقد قال الله تعالى : { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين } [ الزخرف : 71 ] .
والسُرر : جمع سرير ، وهو كرسي طويل متسع يجلس عليه المتكىء والمضطجع ، له سُوق أربع مرتفع على الأرض بنحو ذراع يُتخذ من مختلف الأعواد ويتخذه الملوك من ذهب ومن فضة ومن عاج ومن نفيس العود كالأبنوس ويتخذه العظماء المترفهون من الحديد الصرف ومن الحديد الملون أو المزين بالذهب . والسرير مجلس العظماء والملوك . وتقدم في قوله تعالى : { على سرر متقابلين } في سورة الصافات ( 44 ) .
والموضونة : المسبوك بعضها ببعض كما تسبك حلق الدروع وإنما توضن سطوحها وهي ما بين سوقها الأربع حيث تلقى عليها الطنافس أو الزرابي للجلوس والاضطجاععِ ليكون ذلك المَفْرَش وثيراً فلا يؤلم المضطجع ولا الجالس . وفسر بعضهم موضونة } بمرمولة ، أي منسوجة بقضبان الذهب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكر ما أعد الله للسابقين من الخير في جنات النعيم، فقال: {على سرر موضونة} كوضن الخرز في السلك، يعني بالموضون السرر وتشبكها مشبكة أوساطها بقضبان الدر والياقوت الزبرجد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: جماعة من الأمم الماضية، وقليل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم الآخرون وقيل لهم الآخرون: لأنهم آخر الأمم" على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ "يقول: فوق سُرر منسوجة، قد أدخل بعضها في بعض... وقيل: إنما قيل لها سُرر موضونة، لأنها مشبكة بالذهب والجوهر... عن ابن عباس "على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ" قال: مرمولة بالذهب...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها مصفوفة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{على سرر موضونة} والسرر قد تكون في الدنيا مصفوفة، ولكن لا تكون موضونة، أي منسوجة، والوضن هو النسج؛ يخبر أنه لا يكون بين السرر في الآخرة انفصال ولا فروج كما يكون في الدنيا، لكنها موصولة بعضها ببعض...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
والوضين في كلام العرب هو الحزام الذي يشد به بطن الدابة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{على سرر} وهو ما يسر الإنسان من المقاعد العالية المصنوعة للراحة والكرامة التي هي آية الملك وهو العرش.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ* مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} في جلسة استرخاءٍ حافلةٍ بالمشاعر الأخوية في جوٍّ من الاندماج الروحيّ في مجتمع الجنة الجديد، انطلاقاً مما كانوا يعيشونه من محبة أخوية في الدنيا...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ونلاحظ استمرار الأوصاف الرائعة في القرآن الكريم لسرر الجنّة، ومجالس أهلها، ومنتديات أحبّتها ممّا يدلّ على أنّ من أهم نعم وملذّات هؤلاء هي جلسات الأنس هذه.. أمّا أحاديثهم وما يدور في حفلاتهم فليس هنالك أحد يعلم حقيقتها، فهل هي عن أسرار الخلق وعجائب الكون؟ أو عن أصول المعرفة وأسماء الله وصفاته الحسنى؟ أو عن الحوادث التي حدثت في هذا العالم؟ أو عن الراحة التي هم عليها بعد التعب والعناء؟ أو عن أمور أخرى لا نستطيع إدراكها...؟ هذا هو سرّ لا يعلمه إلاّ الله.