القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } .
يقول تعالى ذكره : إنا نحن نُحيي الموتى ونميت الأحياء ، وإلينا مصير جميعهم يوم القيامة يَوْمَ تَشَقّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعا يقول جلّ ثناؤه وإلينا مصيرهم يوم تشقّق الأرض ، فاليوم من صلة مصير .
وجملة { إنا نحن نحي ونميت وإلينا المصير } تذييل ، أي هذا الإحياء بعد أن أمَتْنَاهُم هو من شؤوننا بأنا نحييهم ونحيي غيرهم ونميتهم ونميت غيرهم .
والمقصود هو قوله : { ونميت } ، وأما قوله : { نحيي } فإنه لاستيفاء معنى تصرف الله في الخلق .
وتقديم { إلينا } في { إلينا المصير } للاهتمام . والتعريف في { المصير } إما تعريف الجنس ، أي كل شيء صائر إلى ما قدرناه له وأكبر ذلك هو ناموس الفناء المكتوب على جميع الأحياء وإما تعريف العهد ، أي المصير المتحدث عنه ، وهو الموت لأن المصير بعد الموت إلى حكم الله .
وعندي أن هذه الآيات من قوله : { واستمع يوم يناد المنادي } إلى قوله { المصير } مكان قريب هي مع ما تفيده من تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم مبشر بطريقة التوجيه البديعي إلى تهديد المشركين بعذاب يحلّ بهم في الدنيا عقب نداء يفزعهم فيلقَون إثره حتفهم ، وهو عذاب يوم بدر فخوطب النبي صلى الله عليه وسلم بترقب يوممٍ يناديهم فيه منادٍ إلى الخروج وهو نداء الصريخ الذي صَرخ بأبي جهل ومن معه بمكة بأنّ عِير قريش وفيها أبو سفيان قد لقيها المسلمون ببدر وكان المنادي ضمضم بن عمرو الغفاري إذ جاء على بعيره فصرخ ببطن الوادي : يا معشر قريش اللطيمةَ اللطيمةَ ، أموالُكم مع أبي سفيان قد عَرض لها محمد وأصحابه .
فتجهز الناس سراعاً وخرجوا إلى بدر . فالمكان القريب هو بطن الوادي فإنه قريب من مكة .
والخروج : خروجهم لبدر ، وتعريف اليوم بالإضافة إلى الخروج لتهويل أمر ذلك الخروج الذي كان استئصالُ سادتهم عقبه . وتكون جملة { إنا نحن نحيي ونميت } وعيدا بأن الله يميت سادتهم وأنه يبقي من قَدّر إسلامه فيما بعدُ فهو يحييه إلى يوم أجله .
وكتب في المصحف { المناد } بدون ياء . وقرأها نافع وأبو عمرو وأبو جعفر بدون ياء في الوصل وبالياء في الوقف ، وذلك جارٍ على اعتبار أن العرب يعاملون المنقوص المعرّف باللام معاملة المنكّر وخاصة في الأسجاع والفواصل فاعتبروا عدم رسم الياء في آخر الكلمة مراعاة لحال الوقف كما هو غالب أحوال الرسم لأن الأسجاع مبنية على سكون الأعجاز . وقرأها عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر وخلف بحذف الياء وصلا ووقفا لأن العرب قد تعامل المنقوص المعرّف معاملة المنكر . وقرأها ابن كثير ويعقوب بالياء وصلا ووقفا اعتباراً بأن رسم المصحف قد يخالف قياس الرسم فلا يخالَف قياسُ اللفظ لأجله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إنا نحن نحيي} الموتى {ونميت} الأحياء {وإلينا المصير} يعني مصير الخلائق إلى الله في الآخرة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"إنا نحن نُحيي "الموتى "ونميت" الأحياء، وإلينا مصير جميعهم يوم القيامة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي نحن نملك ذلك، لا يملك أحد ذلك غيرنا...
{وإلينا المصير} خصّ ذلك اليوم بالمصير إليه...
{نحيي ونميت} فالمراد من الإحياء الإحياء أولا {ونميت} إشارة إلى الموتة الأولى وقوله: {وإلينا} بيان للحشر...فقدم {إنا نحن} لتعريف عظمته يقول القائل أنا أنا أي مشهور و {نحيي ونميت} أمور مؤكدة معنى العظمة {وإلينا المصير} بيان للمقصود.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إنا} أي بما لنا من العظمة {نحن} خاصة {نحيي ونميت} تجدد ذلك شيئاً بعد شيء سنة مستقرة وعادة مستمرة كما تشاهدونه، فقد كان منا بالإحياء الأول البدء {وإلينا} خاصاً بالإماتة ثم الإحياء {المصير} أي الصيرورة ومكانها وزمانها بأن نحيي جميع من أمتناه يوم البعث ونحشرهم إلى محل الفصل، فنحكم بينهم وليس المعاد بأصعب من المبدأ، فمن أقر به وأنكر البعث كان معانداً أو مجنوناً قطعاً...