{ فَمَنَّ الله عَلَيْنَا } أى فتكرم علينا بمغفرته ورضوانه .
{ وَوَقَانَا عَذَابَ السموم } أى : وأنقذنا من عذاب النار التى تنفذ بحرها وسعيرها ، إلى العظام والمسام ، نفاذ الريح الحارة إلى الأجساد ، فتؤثر فيها تأثير السم فى البدن .
قال صاحب الكشاف : والسموم : الريح الحارة التى تدخل المسام ، فسميت بها نار جهنم ، لأنها بهذه الصفة .
عندئذ من الله عليهم ووقاهم عذاب السموم ، الذي يتخلل الأجساد كالسم الحار اللاذع ! وقاهم هذا العذاب منة منه وفضلا ، لما علم من تقواهم وخشيتهم وإشفاقهم . وهم يعرفون هذا . ويعرفون أن العمل لا يدخل صاحبه الجنة إلا بمنة من الله وفضل . فما يبلغ العمل أكثر من أن يشهد لصاحبه أنه بذل جهده ، ورغب فيما عند الله . وهذا هو المؤهل لفضل الله .
يقول تعالى ذكره : قال بعضهم لبعض : إنا أيها القوم كنا في أهلنا في الدنيا مُشفقين خائفين من عذاب الله وجلين أن يعذّبنا ربنا اليوم فَمَنّ اللّهُ عَلَيْنا بفضله وَوَقانا عَذَابَ السّمُومِ يعني : عذاب النار ، يعني فنجّانا من النار ، وأدخلنا الجنة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : عَذَابَ السّمُومِ قال : عذاب النار .
ومعنى { فمن الله علينا } من علينا بالعفو عنكم فأذهب عنا الحزن ووقانا أن يعذبكم بالنار . فلما كان عذاب الذريات يحزن آباءهم جعلت وقاية الذريات منه بمنزلة وقاية آبائهم فقالوا : { ووقانا عذاب السموم } إغراقاً في الشكر عنهم وعن ذرياتهم ، أي فمنّ علينا جميعاً ووقانا جميعاً عذاب السموم .
والسَموم بفتح السين ، أصله اسم الريح التي تهبّ من جهة حارّة جداً فتكون جافّة شديدة الحرارة وهي معروفة في بلاد العرب تهلك من يتنشقها . وأطلق هنا على ريح جهنم على سبيل التقريب بالأمر المعروف ، كما أطلقت على العنصر الناري في قوله تعالى : { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } في سورة الحجر ( 27 ) وكل ذلك تقريب بالمألوف .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فمن الله علينا} بالمغفرة {ووقانا عذاب السموم} يعني الريح الحارة في جهنم، وما فيها من أنواع العذاب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال بعضهم لبعض: إنا أيها القوم كنا في أهلنا في الدنيا مُشفقين خائفين من عذاب الله وجلين أن يعذّبنا ربنا اليوم.
"فَمَنّ اللّهُ عَلَيْنا" بفضله "وَوَقانا عَذَابَ السّمُومِ" يعني: عذاب النار، يعني فنجّانا من النار، وأدخلنا الجنة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالمن: القطع عن المكاره إلى المحابّ، يقال: من على الأسير يمن منا إذا أطلقه وأحسن إليه، وامتن عليه بصنيعه أي اقتطعه عن شكره بتذكير نعمته، والمنية قاطعة عن تصرف الحي، (وأجر غير ممنون) أي غير مقطوع.
وقوله (ووقانا عذاب السموم) الوقا: منع الشيء من المخوف بما يحول بينه وبينه، ومنه الوقاية، ووقاه يقيه وقاء فهو واق، ووقاه توقية (و) السموم الحر الذي يدخل في مسام البدن بما يوجد ألمه، ومنه ريح السموم، ومسام البدن الخروق الدقاق..
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لولا أَنهم قالوا: {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا} لكانوا قد لاحظوا إشفاقَهم، ولكن الحقّ -سبحانه- اختطفهم عن شُهود إِشفاقهم؛ حيث أَشهدهم مِنَّتَه عليهم حتى قالوا: {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{عَذَابَ السموم} عذاب النار ووهجها ولفحها. والسموم: الريح الحارّة التي تدخل المسام فسميت بها نار جهنم لأنها بهذه الصفة...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} أي: فتصدق علينا وأجارنا مما نخاف.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فمنّ الله} الذي له جميع الكمال بسب إشفاقنا منه {علينا} بما يناسب كماله فأمّننا {ووقانا} أي وجنبنا بما سترنا به {عذاب السموم} أي الحر النافذ في المسام نفوذ السم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... والسَموم -بفتح السين-، أصله اسم الريح التي تهبّ من جهة حارّة جداً فتكون جافّة شديدة الحرارة وهي معروفة في بلاد العرب تهلك من يتنشقها. وأطلق هنا على ريح جهنم على سبيل التقريب بالأمر المعروف...