{ 96 - 101 ْ } وقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ْ }
إلى آخر القصة{[436]} يقول تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى ْ } بن عمران { بِآيَاتِنَا ْ } الدالة على صدق ما جاء به ، كالعصا ، واليد ونحوهما ، من الآيات التي أجراها الله على يدي موسى عليه السلام .
{ وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ْ } أي : حجة ظاهرة بينة ، ظهرت ظهور الشمس .
{ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ْ } أي : أشراف قومه لأنهم المتبوعون ، وغيرهم تبع لهم ، فلم ينقادوا لما مع موسى من الآيات ، التي أراهم إياها ، كما تقدم بسطها في سورة الأعرف .
ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن قصص الأنبياء مع أقوامهم ، بالإِشارة إلى قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون وملته ، فقال - تعالى - :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا . . . }
موسى - عليه السلام - هو ابن عمران ، من نسل " لاوى " بن يعقوب .
ويرى بعض المؤرخين أو ولادة موسى كانت فى حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وأن بعثته كانت فى عهد منفتاح بن رمسيس الثانى .
والمراد بالآيات : الآيات التسع المشار إليه فى قوله - تعالى - " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات . . . "
وهى : العصا ، واليد والبيضاء ، والسنون ، والعجاف ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .
والسلطان المبين : الحجة الواضحة ، والبرهان الظاهر على صدقه ، وسمى ذلك سلطانا لأن صاحب الحجة والبرهان على ما يدعى ، يقهر ويغلب من لا حجة ولا برهان معه ، كما يقهر السلطان غيره .
والمعنى : ولقد أرسلنا نبينا موسى - عليه السلام - بمعجزاتنا الدالة على صدقه ، وبحجته القوية الواضحة ، الشاهدة على أنه رسول من عندنا ، إلى فرعون وملئه الذين هم خاصته ، وسادات قومه وكبراؤهم . . .
وخصهم بالذكر مع فرعون ، لأنهم هم الذين كانوا ينفذون أوامره ، ويعاونونه على فساده والضمير فى قوله { فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ } يعود إلى الملأ .
أى : فاتبعوا أمره فى كل ما قرره من كفر ، وفى كل ما أشار به من فساد .
وفى هذه الجملة الكريمة - كما يقول الزمخشرى - تجهيل لهم ، حيث شايعوه على أمره ، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل ، وذلك أنه ادعى الألوهية وهو بشر مثلهم ، وجاهر بالعسف والظلم والشر الذى لا يأتى إلا من شيطان ما رد ، فاتبعوه وسلموا له دعواه ، وتتابعوا على طاعته .
وخاتمة ذلك القصص هذه الإشارة إلى قصة موسى مع فرعون ، لتسجيل نهاية فرعون وملئه ، ونهاية قومه الذين ائتمروا بأمره . وتتضمن هذه الإشارة العابرة إيماءات كثيرة إلى وقائع القصة القصة التي لم تذكر هنا ، كما تضم مشهدا من مشاهد القيامة الحية المتحركة . وهذا وذلك إلى تقرير مبدأ رئيسي من مباديء الإسلام . مبدأ التبعة الفردية التي لا يسقطها اتباع الرؤساء والكبراء . .
ويبدأ المشهد المعروض هنا بإرسال موسى بالآيات مزودا بقوة من الله وسلطان ، إلى فرعون ذي السلطان وكبراء قومه .
( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين . إلى فرعون وملئه ) . .
ويجمل السياق خطوات القصة كلها ليصل إلى نهايتها ، فإذا هم يتبعون أمر فرعون ، ويعصون أمر الله . على ما في أمر فرعون من حماقة وجهل وشطط :
يقول تعالى مخبرًا عن إرسال موسى ، عليه السلام ، بآياته وبيناته ، وحججه ودلائله الباهرة القاطعة إلى فرعون لعنه الله ، وهو ملك ديار مصر على أمة القبط ، { فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ } أي : مسلكه ومنهجه وطريقته في الغي والضلال ، { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } أي : ليس فيه رشد ولا هدى ، وإنما هو جهل وضلال ، وكفر وعناد ، وكما أنهم اتبعوه في الدنيا ، وكان مُقَدمهم ورئيسهم ، كذلك هو يُقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم ، فأوردهم إياها ، وشربوا من حياض{[14896]} رَدَاها ، وله في ذلك الحظ الأوفر ، من العذاب الأكبر ، كما قال تعالى : { فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا } [ المزمل : 16 ] ، وقال تعالى : { فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } [ النازعات : 21 - 26 ] ،
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مّبِينٍ * إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتّبَعُوَاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } .
يقول تعالى ذكره : { ولقد أرسلنا موسى } بأدلتنا على توحيدنا ، وحجة تبين لمن عاينها وتأملها بقلب صحيح ، أنها تدل على توحيد الله وكذب كل من ادّعى الربوبية دونه ، وبطول قول من أشرك معه في الألوهة غيره . { إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } ، يعني : إلى أشراف جنده وتبّاعه . { فاتّبَعُوا أمْرَ فِرْعَوْنَ } ، يقول : فكذّب فرعون وملؤه موسى ، وجحدوا وحدانية الله ، وأبوا قبول ما أتاهم به موسى من عند الله ، واتبع ملأ فرعون دون أمر الله ، وأطاعوه في تكذيب موسى وردّ ما جاءهم به من عند الله عليه . يقول تعالى ذكره : { وَما أمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } ، يعني : أنه لا يرشد أمر فرعون من قبله منه ، في تكذيب موسى ، إلى خير ، ولا يهديه إلا صلاح ، بل يورده نار جهنم .
{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } بالتوراة أو المعجزات . { وسلطان مبين } وهو المعجزات القاهرة أو العصا ، وإفرادها بالذكر لأنها أبهرها ، ويجوز أن يراد بهما واحد أي : ولقد أرسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطانا له على نبوته واضحا في نفسه أو موضحا إياها ، فإن أبان جاء لازما ومتعديا ، والفرق بينهما أن الآية تعم الأمارة ، والدليل القاطع والسلطان يخص بالقاطع والمبين يخص بما فيه جلاء .
«الآيات » : العلامات ، و «السلطان » : البرهان والبيان في الحجة ؛ قيل : هو مشتق من السليط الذي يستضاء به{[6490]} ، وقيل : من أنه مسلط على كل مناو ومخاصم .
عطف قصة على قصة . وعقّبت قصة مدين بذكر بعثة موسى عليه السّلام لقرب ما بين زمنيهما ، ولشدة الصلة بين النبيئين فإن موسى بعث في حياة شعيب عليهما السّلام وقد تزوّج ابنة شعيب .
وتأكيد الخبر ب ( قد ) مثل تأكيد خبر نوح عليه السّلام في قوله تعالى : { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } [ هود : 25 ] .
والباء في { بآياتنا } للمصاحبة فإن ظهور الآيات كان مصاحباً لزمن الإرسال إلى فرعون وهو مدّة دعوة موسى عليه السّلام فرعون وملأه .
والسلطان : البرهان المبين ، أي المُظهر صدق الجائِي به وهو الحجّة العقليّة أو التأييد الإلهي . وقد تقدّم ذكر فرعون ومَلإه في سورة الأعراف .