وقوله - سبحانه - : { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَة } بيان لفضيلة ثالثة من الفضائل التى تؤدى إلى رضا الله - تعالى - .
وقوله : { يَتِيماً } منصوب على أنه مفعول به لقوله " إطعام " أو أطعم على القراءة الثانية .
واليتيم : هو الشخص الذى مات أوبه وهو صغير . .
والمقربة : بمعنى القرابة ، مصدر ميمى ، من قرب فلان من فلان ، إذا كان بينهما نسب قريب . .
والمتربة : الحاجة والافتقار الشديد ، مصدر ميمى من ترب الرجل - كطرب - إذا افتقر ، حتى لكنه قد لصق بالتراب من شدة الفقر ، وأنه ليس له مأوى سوى التراب .
وأما قولهم : أترب فلان ، فمعناه استغنى ، حتى لكأن ماله قد صار كالتراب من كثرته .
أى : اقتحام العقبة من أكبر مظاهره : ك الرقاب ، وإطعام الطعام لليتامى الأقارب ، وللمساكين المحتاجين إلى العون والمساعدة .
وخص - سبحانه - الإطعام بكونه فى يوم ذى مجاعة ، لأن إخراج الماء فى وقت القحط ، أثقل على النفس ، وأوجب لجزيل الأجر ، كما قال - تعالى - : { لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وقيد - سبحانه - اليتيم بكونه ذا مقربة ، لأنه فى هذه الحالة يكون له حقان : حق القرابة ، وحق اليتم ، ومن كان كذلك فهو أولى بالمساعدة من غيره .
وقد كان اليتيم يجد في البيئة الجاهلية الجاحدة المتكالبة الخسف والغبن . ولو كان ذا قربى . وقد حفل القرآن بالوصية باليتيم . مما يدل على قسوة البيئة من حول اليتامى . وظلت هذه الوصايا تتوالى حتى في السور المدنية بمناسبة تشريعات الميراث والوصاية والزواج . وقد مر منها الكثير في سورة النساء خاصة . . وفي سورة البقرة وغيرهما .
وقوله : { يَتِيمًا } أي : أطعم في مثل هذا اليوم يتيما ، { ذَا مَقْرَبَةٍ } أي : ذا قرابة منه . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، والسدي . كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا يزيد ، أخبرنا هشام ، عن حفصة بنت سيرين ، عن سليمان بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الصدقة على المسكين{[30112]} صدقة ، وعلى ذي الرحم اثنتان ، صدقة وصلة " .
وقد رواه الترمذي والنسائي{[30113]} وهذا إسناد صحيح .
فلا أقتحم العقبة أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة وهو الدخول في أمر شديد و العقبة الطريق في الجبل استعارها بما فسرها عز وجل من الفلك والإطعام في قوله وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة لما فيهما من مجاهدة النفس ولتعدد المراد بها حسن وقوع لا موقع لم فإنها لا تكاد تقع إلا مكررة إذ المعنى فلا فك رقبة ولا أطعم يتيما أو مسكينا والمسغبة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب وترب إذا افتقر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي فك رقبة أو أطعم على الإبدال من اقتحم وقوله تعالى وما أدراك ما العقبة اعترض معناه إنك لم تدركنه صعوبتها وثوابها .
وقوله تعالى ( ذا مقربة ) معناه : ذا قرابة ، لتجتمع الصدقة والصلة وهذا نحو ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود : ( تصدقي على زوجك فهي صدقة لك وصلة ){[11838]} .
وانتصب { يتيماً } على المفعول به ل { إطعام } الذي هو مصدر عامل عمل فعله وإعمالُ المصدر غيرِ المضاف ولا المعرّففِ باللام أقيس وإن كان إعمال المضاف أكثرَ ، ومنع الكوفيون إعمالَ المصدر غير المضاف .
ومَا ورد بعدَه مرفوع أو منصوب حملوه على إضمار فعل من لفظ المصدر ، فيقدر في مثل هذه الآية عندهم « يطعم يتيماً » .
واليتيم : الشخص الذي ليس له أب ، وهو دون البلوغ . ووجه تخصيصه بالإِطعام أنه مظنة قلة الشبع لصغر سنه وضعف عمله وفقد من يعوله ولحيائه من التعرض لطلب ما يحتاجه . فلذلك رغب في إطعامه وإن لم يصل حد المسكنة والفقر ووصف بكونه { ذا مقربة } أي مقربة من المطعِم لأن هذا الوصف يؤكد إطعامه لأن في كونه يتيماً إغاثة له بالإِطعام ، وفي كونه ذَا مقربة صلة للرحم .
والمَقْرَبة : قرابة النسب وهو مصدر بوزن مَفْعَلة مثل ما تقدم في { مسغبة } .