{ وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ } أى : وإذا رجع هؤلاء المجرمون إلى أهلهم من مجالسهم التى كانوا فيها . . رجعوا متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين . والسخرية منهم .
فهم لإِيغالهم فى الكفر والفسوق والعصيان ، لا يكتفون بالغمز واللمز عندما يرون المؤمنين ، بل يجعلونهم عند عودتهم إلى أهليهم ، مادة تفكههم وضحكهم .
فقوله : { فَكِهِينَ } جمع فكه ، صفة مشبهة ، وهى قراءة حفص عن عاصم .
وقرأ الجمهور { فاكهين } اسم فاعل : من فكه - بزنة - فرح - إذا مزح فى كلامه ليضحك أو يضحك غيره .
وحذف متعلق " فكهين " للعلم به . أى : رجعوا فكهين بسبب حديثهم عن المؤمنين
( وإذا انقلبوا إلى أهلهم )بعدما أشبعوا نفوسهم الصغيرة الرديئة من السخرية بالمؤمنين وإيذائهم . . ( انقلبوا فكهين ) . . راضين عن أنفسهم ، مبتهجين بما فعلوا ، مستمتعين بهذا الشر الصغير الحقير . فلم يتلوموا ولم يندموا ، ولم يشعروا بحقارة ما صنعوا وقذارة ما فعلوا . وهذا منتهى ما تصل إليه النفس من إسفاف وموت للضمير !
وقوله : وَإذَا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فاكِهِينَ يقول : وكان هؤلاء المجرمون إذا انصرفوا إلى أهلهم من مجالسهم انصرفوا ناعمين معجبين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس انْقَلَبُوا فاكِهِينَ قال : معجبين .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذَا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمْ انْقَلَبُوا فاكِهِينَ قال : انقلب ناعما ، قال : هذا في الدنيا ، ثم أعقب النار في الاَخرة .
وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يفرّق بين معنى فاكهين وفكهين ، فيقول : معنى فاكهين ناعمين ، وفكهين : مَرِحين . وكان غيره يقول : ذلك بمعنى واحد ، وإنما هو بمنزلة طامع وطَمِع ، وباخل وبخل .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وكان هؤلاء المجرمون إذا انصرفوا إلى أهلهم من مجالسهم انصرفوا ناعمين معجبين... وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يفرّق بين معنى فاكهين وفكهين، فيقول: معنى فاكهين ناعمين، وفكهين: مَرِحين. وكان غيره يقول: ذلك بمعنى واحد...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: لاهين، أو معجبين بحال المؤمنين ومسرورين، كما قال تعالى: {إنه كان في أهله مسرورا} [الانشقاق: 13]...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَكِهِينَ} ملتذين بذكرهم والسخرية منهم، أي: ينسبون المسلمين إلى الضلال...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{انقلبوا فاكهين} معناه: أصحاب فاكهة ومزح ونشاط وسرور باستخفافهم بالمؤمنين يقال: رجل فاكه كلابن وتامر هكذا بألف، وهي قراءة الجمهور،...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وإذا انقلبوا} أي رجع الذين أجرموا برغبتهم في الرجوع وإقبالهم عليه من غير تكره {إلى أهلهم} أي منازلهم التي هي عامرة بجماعتهم {انقلبوا} حال كونهم {فاكهين} أي متلذذين غاية التلذذ بما كان من مكنتهم ورفعتهم التي أوصلتهم إلى الاستسخار بغيرهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(انقلبوا فكهين).. راضين عن أنفسهم، مبتهجين بما فعلوا، مستمتعين بهذا الشر الصغير الحقير. فلم يتلوموا ولم يندموا، ولم يشعروا بحقارة ما صنعوا وقذارة ما فعلوا. وهذا منتهى ما تصل إليه النفس من إسفاف وموت للضمير!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والانقلاب: الرجوع إلى الموضع الذي جيء منه. يقال: انقلب المسافر إلى أهله وفي دعاء السفر: « أعوذُ بك من كآبة المنقلب»...
. وأهل الرجل: زوجه وأبناؤه، وذكر الأهل هنا لأنهم ينبسط إليهم بالحديث فلذلك قيل: {إلى أهلهم} دون: إلى بيوتهم. والمعنى: وإذا رجع الذين أجرموا إلى بيوتهم وخلَصوا مع أهلهم تحدثوا أحاديث الفكاهة معهم بذكر المؤمنين وذمهم. وتكرير فعل: {انقلبوا} بقوله: {انقلبوا فاكهين} من النسج الجزل في الكلام كان يكفي أن يقول: وإذا انقلبوا إلى أهلهم فَكِهوا، أو إذا انقلبوا إلى أهلهم كانوا فاكهين. وذلك لما في إعادة الفعل من زيادة تقرير معناه في ذهن السامع لأنه مما ينبغي الاعتناء به، ولزيادة تقرير ما في الفعل من إفادة التجدد حتى يكون فيه استحضار الحالة...
و {فاكهين} اسم فاعل فاكه، وهو من فَكِه من باب فرح إذا مزَح وتحدَّث فأضحَكَ، والمعنى: فاكهين بالتحدث عن المؤمنين، فحذف متعلق {فاكهين} للعلم بأنه من قبيل متعلقات الأفعال المذكورة معه. وقرأ الجمهور: {فاكهين} بصيغة الفاعل. وقرأه حفص عن عاصم وأبو جعفر « فكهين» بدون ألف بعد الفاء على أنه جمع فَكِه، وهو صفة مشبهة وهما بمعنى واحد مثل فارح وفرح...
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
يعني متفكهين بما نالوه من السخرية بهؤلاء المؤمنين، فهم يستهزؤن ويسخرون ويتفكهون بهذا، ظنًّا منهم أنهم نجحوا وأنهم غلبوا المؤمنين، ولكن الأمر بالعكس...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهكذا يرجعون إلى أهلهم بعد كل هذه الوضاعة النفسية، والحقارة الروحية، والسقوط الأخلاقي، وهم راضون عن ذلك كله، مرتاحون إلى مواقفهم، مبتهجون بما فعلوه، فرحون بالنتائج التي وصلوا إليها، وهم يتحدثون حديث تفكّه وأنس وحبورٍ، لا يشعرون بأيّ لونٍ من ألوان تأنيب الضمير...