وقوله - سبحانه - : { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ والمنافقات والكفار نَارَ جَهَنَّمَ . . . } بيان لسوء مصيرهم ، بعد بيان جانب من صفاتهم الذميمة .
أى : وعد الله - تعالى - المنافقين والمنافقات والكفار المجاهرية بكفرهم { نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } خلوداً أبدياً .
وقوله : { هِيَ حَسْبُهُمْ } أى : إن تلك العقوبة الشديدة كافية لإِهانتهم وإذلالهم بسبب فوسقهم عن أمر ربهم .
وقوله : { وَلَعَنَهُمُ الله } أى : طردهم وأبعدهم من رحمته ولطفه .
وقوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أى : ولهم عذاب دائم لا ينقطع ؛ فهم في الدنيا يعشون في عذاب القلب والحذر من أن يطلع المسلمون على نفاقهم ، وفى الآخرة يذوقون العذاب الذي هو أشد وأبقى ، بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق والعصيان .
وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد بينتا جانباً من قبائح المنافقين ، ومن سوء مصيرهم في عاجلتهم وآجلتهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفّارَ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مّقِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : وَعَدَ اللّهُ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والكُفّارَ بالله نارَ جَهنمَ أن يصليهموها جميعا . خالِدِينَ فِيها يقول : ماكثين فيها أبدا ، لا يحيون فيها ولا يموتون . هِي حَسْبُهُمْ يقول : هي كافيتهم عقابا وثوابا على كفرهم بالله . ولَعَنَهُمُ اللّهُ يقول : وأبعدهم الله وأسحقهم من رحمته . ولهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ يقول : وللفريقين جميعا ، يعني من أهل النفاق والكفر عند الله ، عذاب مقيم دائم ، لا يزول ولا يبيد .
وقوله { وعد الله المنافقين } الآية ، لما قيد الوعد بالتصريح بالشر صح ذلك وحسن وإن كانت آية وعيد محض ، و { الكفار } في هذه الآية المعلنون ، وقوله { هي حسبهم } أي كافيتهم وكافية جرمهم وكفرهم نكالاً وجزاء ، فلو تمنى أحد لهم عذاباً لكان ذلك عنده حسباً لهم ، { ولعنهم الله } معناه أبعدهم عن رحمته ، { عذاب مقيم } معناه مؤبد لا نقلة له .
هذه الجملة إمّا استئنافٌ بياني ناشيء عن قوله : { إن المنافقين هم الفاسقون } [ التوبة : 67 ] ، وإمّا مبيِّنَةٌ لجملة { فنسيهم } [ التوبة : 67 ] لأنّ الخلود في جهنم واللعنَ بَيَان للمرادِ من نسيان الله إيّاهم .
والوعد أعمّ من الوعيد ، فهو يطلق على الإخبار بالتزام المخبِر للمخبَر بشيء في المستقبل نافع أو ضار أو لا نفع فيه ولا ضرّ { هذا ما وعد الرحمن } [ يس : 52 ] . والوعيد خاصّ بالضارّ .
وفعل المضي هنا : إمّا للإخبار عن وعيد تقدّم وعَدَه الله المنافقين والمنافقات تذكيراً به لزيادة تحقيقه وإمّا لصوغ الوعيد في الصيغة التي تنشأ بها العُقود مثل ( بعت ووهبت ) إشعاراً بأنّه وعيد لا يتخلّف مثل العقد والالتزام .
والإظهار في مقام الإضمار لتقرير المحكوم عليه في ذهن السامع حتى يتمكّن اتّصافهم بالحكم .
وزيادة ذِكر { الكفار } هنا للدلالة على أنّ المنافقين ليسوا بأهون حالاً من المشركين إذ قد جمع الكفر الفريقين .
ومعنى { هي حسبهم } أنّها ملازمة لهم . وأصل حَسْب أنّه بمعنى الكافي ، ولمَّا كان الكافي يلازمه المكفي كني به هنا عن الملازمة ، ويجوز أن يكون { حسب } على أصله ويكون ذكره في هذا المقام تهكماً بهم ، كأنّهم طلبوا النعيم ، فقيل : حسبهم نار جهنم .
واللعن : الإبعاد عن الرحمة والتحقير والغضب .
والعذاب المقيم : إن كان المراد به عذاب جهنّم فهو تأكيد لقوله : { خالدين فيها هي حسبهم } لدفع احتمال إطلاق الخلود على طول المدّة ، وتأكيد للكناية في قوله : { هي حسبهم } وإن كان المراد به عذاباً آخر تعيّن أنّه عذاب في الدنيا وهي عذاب الخزي والمذلّة بين الناس .
وفي هذه الآية زيادة تقرير لاستحقاق المنافقين العذاب ، وأنّهم الطائفة التي تعذب إذا بقُوا على نفاقهم ، فتعيّن أنّ الطائفة المعفو عنها هم الذين يؤمنون منهم .