ثم عطف بذكر لوط - وهو لوط بن هاران بن آزر - كان قد آمن بإبراهيم ، واتبعه ، وهاجر معه ، كما قال تعالى : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي } [ العنكبوت : 26 ] ، فآتاه الله حكمًا وعلمًا ، وأوحى إليه ، وجعله نبيًا ، وبعثه إلى سَدُومَ وأعمالها ، فخالفوه وكذبوه ، فأهلكهم الله ودَمَّر عليهم ، كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز ؛ ولهذا قال : { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنّهُ مِنَ الصّالِحِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وأدخلنا لوطا في رحمتنا بانجائنا إياه مما أحللنا بقومه من العذاب والبلاء وإنقاذناه منه . إنّهُ مِنَ الصّالِحِينَ يقول : إن لوطا من الذين كانوا يعملون بطاعتنا وينتهون إلى أمرنا ونهينا ولا يعصوننا .
وكان ابن زيد يقول في معنى قوله : وأدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا ما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا قال : في الإسلام .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأدخلناه في رحمتنا} يعني: نعمتنا، وهي النبوة، كقوله عز وجل: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه} بالنبوة {إنه من الصالحين}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وأدخلنا لوطا في رحمتنا بإنجائنا إياه مما أحللنا بقومه من العذاب والبلاء وإنقاذناه منه. "إنّهُ مِنَ الصّالِحِينَ "يقول: إن لوطا من الذين كانوا يعملون بطاعتنا وينتهون إلى أمرنا ونهينا ولا يعصوننا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وجائز أن يكون قوله: {في رحمتنا} أي أعطيناه كل أنواع الخير برحمتنا؛ إذ كل من أصاب خيرا في الدنيا والآخرة إنما يدركه برحمته.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" إنه من الصالحين "الذين أصلحوا أفعالهم. فعملوا بما هو حسن منها، دون ما هو قبيح.
{وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين} وفي تفسير الرحمة قولان: الأول: أنه النبوة أي أنه لما كان صالحا للنبوة أدخله الله في رحمته لكي يقوم بحقها، عن مقاتل. الثاني: أنه الثواب، عن ابن عباس والضحاك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم زاد الإشارة وضوحاً بقوله: {وأدخلناه} أي دونهم بعظمتنا {في رحمتنا} أي في الأحوال السنية، والأقوال العلية، والأفعال الزكية، التي هي سبب للرحمة العظمى ومسببة عنها؛ ثم علل ذلك بقوله: {إنه من الصالحين} أي لما جلبناه عليه من الخير.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
أي في أهل رحمتنا أي جعلناه في جملتهم وعدادهم، فالظرفية مجازية أو في جنتنا فالظرفية حقيقية والرحمة مجاز كما في حديث الصحيحين: «قال الله عز وجل للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي».
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله، كما أن الفساد، سبب لحرمانه الرحمة والخير، وأعظم الناس صلاحا، الأنبياء عليهم السلام ولهذا يصفهم بالصلاح، وقال سليمان عليه السلام: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ْ}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين).. وكأنما الرحمة مأوى وملاذ يدخل الله فيه من يشاء، فإذا هو آمن ناعم مرحوم.
{وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}. كيف؟ ألسنا جميعا في رحمة الله؟ قالوا: لأن هناك رحمة عامة لجميع الخلق تشمل حتى الكافر، وهناك رحمة خاصة تعدى الرحمة منه إلى الغير، وهذه يعنون بها النبوة، بدليل قول الله تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (31)} (الزخرف): فرد الله عليهم: {أهم يقسمون رحمة ربك.. (32)} (الزخرف): أي: النبوة... فمعنى: {وأدخلناه في رحمتنا} أي: في ركب النبوة. {إنه من الصالحين} أي: للنبوة، والله أعلم حيث يجعل رسالته، لكن قمة هذه الرحمة جاءت في النبي الخاتم والرسول الذي لا يستدرك عليه برسول بعده؛ لذلك خاطبه ربه بقوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)} (الأنبياء). فالرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم كانوا رحمة لأممهم، أما محمد فرحمة لجميع العالمين.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ أشارت الآية إلى آخر موهبة إلهيّة للنبي لوط، فقالت: (وأدخلناه في رحمتنا إنّه من الصالحين) فهذه الرحمة الإلهيّة الخاصّة لا تعطى لأحد اعتباطا وبدون حساب، بل إنّ أهّلية وصلاحية لوط هي التي جعلته مستحقّاً لمثل هذه الرحمة.
حقّاً، أي عمل أصعب، وأي منهج إصلاحي أجهد من أن يبقى إنسان مدّة طويلة في مدينة فيها كلّ هذا الفساد والانحطاط، ويظلّ دائماً يبلّغ الناس الضالّين المنحرفين أمر ربّهم ويرشدهم إلى طريق الهدى، ويصل الأمر بهم إلى أنّهم يريدون أن يعتدوا حتّى على ضيفه؟ والحقّ أنّ مثل هذه الاستقامة والثبات لا تصدر إلاّ من أنبياء الله وأتباعهم، فأي واحد منّا يستطيع أن يتحمّل مثل هذا العذاب الروحي المؤلم؟!