و { تِلْكَ } اسم إشارة ، والمشار إليه الآيات . والمراد بها آيات القرآن الكريم ، ويندرج فيها آيات هذه السورة التى معنا .
{ الكتاب } : مصدر كتب كالكتب . وأصله ضم أديم ألى آخر بالخياطة ، واستعمل عرفا فى ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط . والمراد به : القرآن الكريم .
و { المبين } : أى : الواضح المظهر للحق من الباطل ، من أبان بمعنى أظهر .
أى : تلك الآيات التى أنزلناها عليك - أيها الرسول الكريم - هى آيات الكتاب المظهر للحق من الباطل ، والموضح للخير من الشر ، والكاشف عن حقائق الأمور ، وعن قصص الأولين .
وقوله تعالى : { تلك } يتقدر موضعها بحسب كل قول من الأقوال في الحروف ، فمن جعل { طسم } مثالاً لحروف المعجم جاءت الإشارة ب { تلك } إلى حروف المعجم ، ومن قطعها قال { تلك } في موضع هذه ، وساغ هذا من حيث لم تكن حاضرة عتيدة{[9100]} بل هي أقوال ينقضي بعضها شيئاً فشيئاً فسائغ أن يقال في الإشارة إليها { تلك } .
قال القاضي أبو محمد : والأصل أن { تلك } إشارة إلى ما غاب و «هذه » إشارة إلى ما حضر ، وقد تتداخل متى كان في الغيبة حصول وثقة به تقوم مقام الحضور- ومتى كان في الحضور بعدما يقوم مقام الغيبة فمن ذلك قوله تعالى { وما تلك بيمينك يا موسى }{[9101]} [ طه : 17 ] لما كان موسى لا يرى ربه تعالى ، فهو وعصاه في منزل غيب ، فساغ ذلك ، ومن النقيض قول المؤلف لكتاب ونحوه هذا كتاب وما جرى هذا المجرى فتتبعه فهو كثير فيشبه في آياتنا هذه أن تكون { تلك } بمنزلة هذه { آيات الكتاب المبين } ، ويشبه أن تكون متمكنة من حيث الآيات كلها وقت هذه المخاطبة لم تكن عتيدة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{تلك آيات الكتاب} يعني: القرآن {المبين} يعني: بيِّن ما فيه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وأما قوله:"تلكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ" فإنه يعني هذه آيات الكتاب الذي أنزلته إليك يا محمد، المبين أنه من عند الله، وأنك لم تتقوّله ولم تتخرّصه...
عن قَتادة، قوله "طسم. تلكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ "يعني مبين والله؛ بركته ورشده وهداه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وقوله:"تلك آيات الكتاب"... معناه هذا القرآن هو الكتاب المبين -ذكره الحسن- وقيل: في معنى "المبين "قولان: أحدهما -قال قوم: المبين أنه من عند الله. وقال قتادة: المبين الرشد من الغي. والمبين هو البين أيضا. وأضاف الآيات إلى الكتاب، وهي الكتاب.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{تلك} يتقدر موضعها بحسب كل قول من الأقوال في الحروف، فمن جعل {طسم} مثالاً لحروف المعجم جاءت الإشارة ب {تلك} إلى حروف المعجم، ومن قطعها قال {تلك} في موضع هذه، وساغ هذا من حيث لم تكن حاضرة عتيدة بل هي أقوال ينقضي بعضها شيئاً فشيئاً فسائغ أن يقال في الإشارة إليها {تلك}...
فيشبه في آياتنا هذه أن تكون {تلك} بمنزلة هذه {آيات الكتاب المبين}، ويشبه أن تكون متمكنة من حيث الآيات كلها وقت هذه المخاطبة لم تكن عتيدة.
و {تلك} إشارة إلى آيات السورة و {الكتاب المبين} هو إما اللوح وإما الكتاب الذي وعد الله إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم فبين أن آيات هذه السورة هي آيات ذلك الكتاب ووصفه بأنه مبين لأنه بين فيه الحلال والحرام، أو لأنه بين بفصاحته أنه من كلام الله دون كلام العباد، أو لأنه يبين صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو لأنه يبين خبر الأولين والآخرين، أو لأنه يبين كيفية التخلص عن شبهات أهل الضلال.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت هذه إشارات عالية، وما بعدها لزوم نظوم لأوضح الدلالات حاوية، قال مشيراً إلى عظمتها: {تلك} أي الآيات العالية الشأن {آيات الكتاب} أي المنزل على قلبك، الجامع لجميع المصالح الدنيوية والأخروية {المبين} أي الفاصل الكاشف الموضح المظهر، لأنه من عندنا من غير شك، ولكل ما يحتاج إليه من ذلك وغيره، عند من يجعله من شأنه ويتلقاه بقبول، ويلقي إليه السمع وهو شهيد.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{تِلْكَ} الآيات المستحقة للتعظيم والتفخيم {آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} لكل أمر يحتاج إليه العباد، من معرفة ربهم، ومعرفة حقوقه، ومعرفة أوليائه وأعدائه، ومعرفة وقائعه وأيامه، ومعرفة ثواب الأعمال، وجزاء العمال، فهذا القرآن قد بينها غاية التبيين، وجلَّاها للعباد، ووضحها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فهذا الكتاب المبين ليس إذن من عمل البشر، وهم لا يستطيعونه؛ إنما هو الوحي الذي يتلوه الله على عبده، ويبدو فيه إعجاز صنعته، كما يبدو فيه طابع الحق المميز لهذه الصنعة في الكبير والصغير
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الإشارة في قوله {تلك ءايات الكتاب المبين} على نحو الإشارة في نظيره في سورة الشعراء [2]. فالمشار إليه ما هو مقروء يوم نزول هذه الآية من القرآن تنويهاً بشأن القرآن وأنه شأن عظيم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ولعل هذا السبب كان داعياً لأن يكون الحديث بعد «الحروف المقطّعة» مباشرةً عن عظمة القرآن، إذ يقول: (تلك آيات الكتاب المبين)، وبالرغم من أن (الكتاب المبين) جاء بمعنى اللوح المحفوظ كما قد ورد في الآية (61) من سورة يونس (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ في كتاب مبين) والآية السادسة من سورة هود (كلّ في كتاب مبين) ولكنّه جاء بمعنى القرآن في الآية محل البحث بقرينة ذكر «الآيات» وكذلك جملة (نتلوا عليك) الواردة في الآية التي بعدها..
وقد وصف القرآن هنا بكونه «مبين» وكما يستفاد من اللغة فإنّ كلمة «مبين» تستعمل في المعنيين «اللازم والمتعدي»، فهو واضح في نفسه وموضّح لغيره، والقرآن المجيد بمحتواه المشرق يميّز الحق عن الباطل، ويبيّن الطريق اللاحب من الطريق المعوّج 24.