أى أطيعوا الله فى كل ما أمركم به ونهاكم عنه ، وأطيعوا الرسول الذى أرسله إليكم ربكم لهدايتكم وسعادتكم ، لعلكم بهذه الطاعة تكونون فى رحمة من الله ، فهو القائل وقوله الحق { إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين }
وفى ذكر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مقترنة بطاعة الله - تعالى - تنبيه إلى أن طاعة الرسول طاعة لله . فقد قال - تعالى - { مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله وَمَن تولى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }
( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ) . .
وهو أمر عام بالطاعة لله والرسول ، وتعليق الرحمة بهذه الطاعة العامة . ولكن للتعقيب به على النهي عن الربا دلالة خاصة . هي أنه لا طاعة لله وللرسول في مجتمع يقوم على النظام الربوي ؛ ولا طاعة لله وللرسول في قلب يأكل الربا في صورة من صوره . وهكذا يكون ذلك التعقيب توكيدا بعد توكيد . .
وذلك فوق العلاقة الخاصة بين أحداث المعركة التي خولف فيها أمر رسول الله [ ص ] وبين الأمر بالطاعة لله وللرسول ، بوصفها وسيلة الفلاح ، وموضع الرجاء فيه . .
ثم لقد سبق في سورة البقرة - في الجزء الثالث - أن رأينا السياق هناك يجمع بين الحديث عن الربا ، والحديث عن الصدقة . بوصفهما الوجهين المتقابلين للعلاقات الاجتماعية في النظام الاقتصادي ؛ وبوصفهما السمتين البارزتين لنوعين متباينين من النظم : النظام الربوي . والنظام التعاوني . . فهنا كذلك نجد هذا الجمع في الحديث عن الربا والحديث عن الإنفاق في السراء والضراء . .
فبعد النهي عن أكل الربا ، والتحذير من النار التي أعدت للكافرين ، والدعوة إلى التقوى رجاء الرحمة والفلاح . . بعد هذا يجيء الأمر بالمسارعة إلى المغفرة ؛ وإلى جنة عرضها السماوات والأرض ( أعدت للمتقين ) . . ثم يكون الوصف الأول للمتقين هو : ( الذين ينفقون في السراء والضراء )- فهم الفريق المقابل للذين يأكلون الربا أضعافا مضاعفة - ثم تجيء بقية الصفات والسمات :
ثم أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، والطاعة هي موافقة الأمر الجاري عند المأمور مع مراد الأمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :< من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني>{[3518]} ، وقال محمد بن إسحاق إن هذه الآية من قوله تعالى : { وأطيعوا الله } هي ابتداء المعاتبة في أمر أحد ، وانهزام من فر وزوال الرماة عن مراكزهم{[3519]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}، يعني لكي ترحموا فلا تعذبوا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأطيعوا الله أيها المؤمنون فيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء، وفيما أمركم به الرسول. يقول: وأطيعوا الرسول أيضا كذلك لعلكم ترحمون، يقول: لترحموا فلا تعذّبوا. وقد قيل: إن ذلك معاتبة من الله عزّ وجلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خالفوا أمره يوم أُحد، فأخلوا بمراكزهم التي أمروا بالثبات عليها...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
قَرَنَ طاعة الرسول صلوات الله عليه بطاعة نفسه تشريفاً لِقَدْرِه، وتخفيفاً على الأمة حيث ردَّهم إلى صحبة شخص من أنفسهم، فإنَّ الجنسَ إلى الجنسِ أسكنُ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وقد أمدّ ذلك بما أتبعه من تعليق رجاء المؤمنين برحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله. ومن تأمّل هذه الآية وأمثالها لم يحدث نفسه بالأطماع الفارغة والتمني على الله تعالى، وفي ذكره تعالى «لعلّ» و «عسى» في نحو هذه المواضع وإن قال الناس ما قالوا ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى، وصعوبة إصابة رضا الله، وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه...
قال تعالى: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} ولما ذكر الوعيد ذكر الوعد بعده على ما هو العادة المستمرة في القرآن... وقالت المعتزلة هذه الآية دالة على أن حصول الرحمة موقوف على طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا عام فيدل الظاهر على أن من عصى الله ورسوله في شيء من الأشياء أنه ليس أهلا للرحمة وذلك يدل على قول أصحاب الوعيد.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان الفائز السالم قد لا يكون مقرباً قال اتباعاً للوعيد بالوعد: {وأطيعوا الله} ذا الجلال والإكرام {والرسول} أي الكامل في الرسالية كمالاً ليس لأحد مثله، أي في امتثال الأوامر واجتناب النواهي بالإخلاص {لعلكم ترحمون} أي لتكونوا على رجاء وطمع في أن يفعل بكم فعل المرحوم بالتقريب والمحبة وإنجاز كل ما وعد على الطاعة من نصره وغيره...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وأطيعوا الله والرسول} فيما نهينا عنه من أكل الربا وما أمرنا به من الصدقة؛ {لعلكم ترحمون} في الدنيا بما تفيدكم الطاعة من صلاح حال مجتمعكم، وفي الآخرة بحسن الجزاء على أعمالكم، فإن الراحمين يرحمهم الرحمن... وقد قلنا من قبل إن مسألة الربا ليست مدنية محضة بل هي دينية أيضا والغرض الديني منها التراحم المفضي إلى التعاون فالمقرض اليوم قد يكون مقترضا غدا، فمن أعان جدير بأن يعان.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هو أمر عام بالطاعة لله والرسول، وتعليق الرحمة بهذه الطاعة العامة. ولكن للتعقيب به على النهي عن الربا دلالة خاصة. هي أنه لا طاعة لله وللرسول في مجتمع يقوم على النظام الربوي؛ ولا طاعة لله وللرسول في قلب يأكل الربا في صورة من صوره. وهكذا يكون ذلك التعقيب توكيدا بعد توكيد.. وذلك فوق العلاقة الخاصة بين أحداث المعركة التي خولف فيها أمر رسول الله [ص] وبين الأمر بالطاعة لله وللرسول، بوصفها وسيلة الفلاح، وموضع الرجاء فيه.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
جاء الأمر بالطاعة لله ولرسوله بعد ذلك النهي القاطع؛ لأن ما يتعلق بالأموال يتحكم فيه الأهواء، وتستولي عليه المنازع المختلفة فيكون مظنة العصيان بتأويل فاسد، أو تحريف مقصود، أو انحراف بسبب الطمع، فينساق الشخص في طاعة من لا يطاع، و يترك طاعة الله والرسول.
في ذكر طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله في قرن واحد إشارة إلى أن طاعة الرسول طاعة الله، وأن الرسول مطاع فيما يقول عن الله، ومعنى النص: أطيعوا الله والرسول رجاء أن تكونوا في رحمة لا في شقاء، وفي هذا إشارة إلى أن تحريم الربا فيه رحمة عامة شاملة. اللهم اجعلنا في طاعتك وطاعة رسولك دائما...
وما الوسيلة كي نفلح ونتقي النار؟ إن الوسيلة هي اتباع منهج الله الذي جاء به على لسان رسوله: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} و "الرحمة "تتجلى في ألا يوقعك في المتعبة، أما الشفاء فهو أن تقع في المتعبة ثم تزول عنك، لذلك فنحن إذا ما أخذنا المنهج من البدء فسنأخذ الرحمة. {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ} [الإسراء: 82] إن الشفاء هو إزالة للذنب الذي تورطنا فيه ويكون القرآن علاجاً، والرحمة تتجلى إذا ما أخذنا المنهج في البداية فلا تأتي لنا أية متاعب...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
[وأطيعوا اللّه والرَّسول لعلَّكم تُرحمون] وبيّن لهم أنَّ طاعة اللّه والرَّسول هي التي تجعل الإنسان موضعاً لرحمة اللّه، ليتحرّكوا في طلبهم لرحمته على هذا الأساس. ويمتد في جانبه العملي إلى انحراف الإنسان عن الخطّ التشريعي الذي رسمه اللّه للنَّاس، ما يجعل من التمرّد على أحكام اللّه نوعاً من أنواع الكفر العملي الذي يسوّغ للتعبير القرآني أن يستعمل كلمة الكافرين صفةً للمؤمنين الذين ينحرفون عن خطّ الإيمان في سلوكهم العملي، للإيحاء بالقيمة العملية للإيمان في ما يريد اللّه للمؤمنين أن يتمثّلوه في ممارستهم له في حياتهم الخاصّة والعامّة... وقد يكون هذا الأسلوب من أفضل الأساليب التي تدعو إلى الاهتمام بالاستقامة على خطّ التشريع، لأنَّها لا تجعل منه مادّة قانونية جامدة تلزمه بالفعل أو تمنعه منه، بل تهيّئ له الأجواء الروحيّة الداخلية التي تربط خطواته المنسجمة مع التشريع بقضية المصير في ما يريده الإنسان لنفسه من الفلاح والنجاح والنجاة من الهلاك والعذاب في الدُّنيا والآخرة والحصول على رحمة اللّه ورضوانه، وذلك بإطاعة اللّه ورسوله في ما يأمران به أو ينهيان عنه. وقد يكون للتأثيرات الاقتصادية التي تتمثّل في النظام الربوي سلباً أو إيجاباً على حركة الحياة العمليّة لدى النَّاس مدخلٌ كبير في الإيحاء بهذه الأجواء، ليتمكن الإنسان من خلالها من السيطرة على السلبيّات التي تتحداه في حياته، على أساس الالتزام الواعي بهذا التشريع...