وهنا أحس فرعون بالرعب يسرى فى أوصاله ، وبأن ألوهيته المزعومة قد أوشكت على الانشكاف . وبأن معجزة موسى توشك أن تجعل الناس يؤمنون به ، فالتفت إليهم وكأنه يحاول جذبهم إليه ، واستطلاع رأيهم فيما شاهدوه ، ويحكى القرآن ذلك بأسلوبه البليغ فيقول : { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ . . . } .
أى : قال فرعون للملأ المحيطين به - بعد أن زلزلته معجزة موسى - { إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } .
أى : لساحر بارع فى فن السحر ، فهو مع اعترافه بضخامة ما أتى به موسى ، يسميه سحرا .
وقد أحس فرعون بضخامة المعجزة وقوتها ؛ فأسرع يقاومها ويدفعها ؛ وهو يحس ضعف موقفه ، ويكاد يتملق القوم من حوله ؛ ويهيج مخاوفهم من موسى وقومه ، ليغطي على وقع المعجزة المزلزلة :
قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم ، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ، فماذا تأمرون ? . .
وفي قولة فرعون هذه يبدو إقراره بعظمة المعجزة وإن كان يسميها سحرا ؛ فهو يصف صاحبها بأنه ساحر( عليم ) .
تقدم الكلام على نظير هذه الآية في سورة الأعراف ، سوى أن في هذه الآية زيادة { بسحره } وهو واضح ، وفي هذه الآية أن هذا قول فرعون للملإ ، وفي آية الأعراف ( 109 ) { قال الملأ من قوم فرعون } والجمع بينهما أن فرعون قاله لمن حَوله فأعادوه بلفظه للموافقة التامة بحيث لم يكتفوا بقول : نعم ، بل أعادوا كلام فرعون ليكون قولهم على تمام قوله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قال} فرعون {للملأ} يعني: الأشراف {حوله إن هذا} يعني: موسى {لساحر عليم} بالسحر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال فرعون لما أراه موسى من عظيم قدرة الله وسلطانه حجة عليه لموسى بحقيقة ما دعاه إليه، وصدق ما أتاه به من عند ربه "للْمَلإِ حَوْلَه "يعني لأشراف قومه الذين كانوا حوله: "إنّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ" يقول: إن موسى سحر عصاه حتى أراكموها ثعبانا "عَلِيمٌ"، يقول: ذو علم بالسحر وبصر به.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... ولقد تحير فرعون لما أبصر الآيتين، وبقي لا يدري أي طرفيه أطول، حتى ذلّ عنه ذكر دعوى الإلهية، وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية، وارتعدت فرائصه، وانتفخ سحره خوفاً وفرقاً؛ وبلغت به الاستكانة لقومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم: أن طفق يؤامرهم ويعترف لهم بما حذر منه وتوقعه وأحسّ به من جهة موسى عليه السلام وغلبته على ملكه وأرضه، وقوله: {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} قول باهت إذا غلب ومتمحل إذا لزم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
فلما رأى فرعون ذلك هاله ولم يكن له فيه مدفع غير أنه فزع إلى رميه بالسحر، وطمع، لعلو علم السحر في ذلك الوقت وكثرته، أن يكون فيه سبب لمقاومة موسى فأوهم قومه وأتباعه أن موسى عليه السلام ساحر.
فعند هذا أراد فرعون تعمية هذه الحجة على قومه فذكر فيها أمورا ثلاثة: أحدها: قوله: {إن هذا لساحر عليم} وذلك لأن الزمان كان زمان السحرة وكان عند كثير منهم أن الساحر قد يجوز أن ينتهي بسحره إلى هذا الحد فلهذا روج عليهم هذا القول...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد أحس فرعون بضخامة المعجزة وقوتها؛ فأسرع يقاومها ويدفعها؛ وهو يحس ضعف موقفه، ويكاد يتملق القوم من حوله؛ ويهيج مخاوفهم من موسى وقومه، ليغطي على وقع المعجزة المزلزلة: قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره، فماذا تأمرون؟.. وفي قولة فرعون هذه يبدو إقراره بعظمة المعجزة وإن كان يسميها سحرا؛ فهو يصف صاحبها بأنه ساحر (عليم)..
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} فقد أسقط ما في يده، ولم تعد له أيّة حجةٍ يجابه بها موقف موسى القويّ، فلم يكن ينتظر أن يكون الرد بهذه الطريقة، بل كان ينتظر جدلاً ومناقشةً واستغراقاً في التفاصيل التي يستطيع فرعون معها أن يلعب على الألفاظ ويستثير المشاعر، لذا لم يبق لديه إلاَّ عنصر التهويل والإِثارة ومواجهة المسألة على أنها حالة سحر، لأنها تشبه ألاعيب السحرة، لتكون شخصية موسى في نظرهم شخصية الساحر لا شخصية الرسول، وبذلك يأخذ حجمه المحدود في نظرهم، فلا يترك أيّ أثر إيجابي على مستوى القداسة الروحية من خلال الرسالة مما قد يؤثر سلباً على علاقة الناس بفرعون.