ثم أضافوا إلى ذلك قولهم { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ } أيها الناس { بَشَراً مِّثْلَكُمْ } فى المأكل والمشرب والملبس والعادات . . . { إِنَّكُمْ إِذاً } بسبب هذه الطاعة { لَّخَاسِرُونَ } خسارة ليس بعدها خسارة .
والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يرى أن الله - تعالى - وصف هؤلاء الجاحدين بالغنى والجاه ، وأنهم من قوم هذا النبى فازداد حسدهم له وحقدهم عليه ، وأنهم أصلاء فى الكفر ، وفى التكذيب باليوم الآخر ، وأنهم - فوق كل ذلك - من المترفين الذين عاشوا حياتهم فى اللهو واللعب والتقلب فى ألوان الملذات .
. . ولا شىء يفسد الفطرة ، ويطمس القلوب ، ويعمى النفوس والمشاعر عن سماع كلمة الحق . كالترف والتمرغ فى شهوات الحياة .
لذا تراهم فى شبهتهم الأولى يحاولون أن يصرفوا لناس عن هذا النبى ، بزعمهم أنه بشر ، يأكل مما يأكل منه الناس ، ويشرب مما يشربون منه ، والعقلاء فى زعمهم - لا يتبعون نبيًّا من البشر ، لأن اتباعه يؤدى إلى الخسران المبين .
ولقد نهجوا فى قولهم الباطل هذا ، نهج قوم نوح من قبلهم ، فقد قالوا فى شأنه : { مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ . . }
إنه الجواب ذاته على وجه التقريب :
وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة ، وأترفناهم في الحياة الدنيا : ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ، ويشرب مما تشربون . ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذن لخاسرون . .
فالاعتراض المكرور هو الاعتراض على بشرية الرسول . وهو الاعتراض الناشى ء من انقطاع الصلة بين قلوب هؤلاء الكبراء المترفين ، وبين النفخة العلوية التي تصل الإنسان بخالقه الكريم .
والترف يفسد الفطرة ، ويغلظ المشاعر ، ويسد المنافذ ، ويفقد القلوب تلك الحساسية المرهفة التي تتلقى وتتأثر وتستجيب . ومن هنا يحارب الإسلام الترف ؛ ويقيم نظمه الاجتماعية على أساس لا يسمح للمترفين بالوجود في الجماعة المسلمة ، لأنهم كالعفن يفسد ما حوله ، حتى لينخر فيه السوس ، ويسبح فيه الدود !
يخبر تعالى أنه أنشأ بعد قوم نوح قرنًا آخرين{[20541]} - قيل : المراد بهم عاد ، فإنهم كانوا مستخلفين بعدهم . وقيل : المراد بهؤلاء ثمود ؛ لقوله : { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ } - وأنه تعالى أرسل فيهم رسولا منهم ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له . فكذبوه وخالفوه ، وأبوا من اتباعه لكونه بشرًا مثلهم ، واستنكفوا عن اتباع رسول بشري ، فكذبوا بلقاء الله في القيامة ، وأنكروا المعاد الجثماني ، وقالوا { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ إِنّكُمْ إِذاً لّخَاسِرُونَ * أَيَعِدُكُمْ أَنّكُمْ إِذَا مِتّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنّكُمْ مّخْرَجُونَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملأ من قوم صالح لقومهم : وَلَئِنْ أطَعْمتُمْ بَشَرا مثْلَكُمْ فاتبعتموه وقبلتم ما يقول وصدّقتموه . إنّكُمْ أيها القوم إذا لَخاسِرُونَ : يقول : قالوا : إنكم إذن لمغبونون حظوظكم من الشرف والرفعة في الدنيا ، باتباعكم إياه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.